اتفاق بريكست أمام البرلمان البريطاني للمرة الثالثة

دفع تواصل انقسام النواب المحافظين بشأن اتفاق بريكست، برئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إلى التعهد بتقديم استقالتها من منصبها مقابل دعم استراتيجيتها للانفصال. فيما يستسيغ النواب المتشككون في الاتحاد الأوروبي هذا السيناريو ويدعمونه.
لندن- تطرح الحكومة البريطانية على البرلمان للمرة الثالثة الجمعة، اتفاق بريكست الذي توصلت إليه مع الاتحاد الأوروبي، في وقت فشل مجلس العموم في محاولته إخراج بريطانيا من المأزق الذي تسبّبت به أزمة الانقسام بشأن بريكست، بعد إسقاطه حزمة من التعديلات على اتفاق الانسحاب.
وقالت وزيرة العلاقات مع مجلس العموم أندريا ليدسوم للنواب الذين سبق أن رفضوا هذا النص مرتين، في يناير وفي منتصف مارس، “ستطرح مسودة حول خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي الجمعة”. واتّفاق ماي الهادف إلى تفعيل خروج منظّم للمملكة المتحدة من الاتّحاد الأوروبي وكان موضع تفاوض شاقّ لعدّة أشهر، كان مجلس العموم قد رفضه مرّتين. ودفعت الهزيمتان المهينتان رئيسة الحكومة المحافظة إلى تقديم طلب للاتحاد الأوروبّي بتأجيل تاريخ بريكست المقرّر أصلاً في مارس إلى 12 أبريل على الأقلّ.
وعرض قادة الاتحاد الأوروبي على بريطانيا الأسبوع الماضي تمديد مهلة بريكست حتى 22 مايو، ولكن بشرط أن يصوّت البرلمان على الاتفاق قبل نهاية الجمعة وهو التاريخ المحدد في الأصل لمغادرة الاتحاد الأوروبي.
واستبقت الدول الأوروبية الـ27 رفضا جديدا للاتفاق في البرلمان البريطاني، فأعطت بريطانيا خيارين: التصويت على الاتفاق مع منحها إرجاء تقنيا قصيرا حتى 22 مايو. وإذا رفض الاتفاق للمرة الثالثة، عندها سيكون أمام لندن مهلة حتى 12 أبريل لتقديم بديل وطلب تأجيل جديد، ما يحتم تنظيم انتخابات أوروبية في نهاية مايو في بريطانيا. وإلا فليس من خيار سوى الخروج من الاتحاد دون اتفاق.
وقادَ إمساك البرلمان بزمام أجندة بريكست، بعضَ المتحمّسين للخروج من الاتّحاد الأوروبي وبينهم بوريس جونسون وجاكوب ريس-موغ رئيس “مجموعة البحث الأوروبية”، إلى إعلان أنّهم قد يؤيّدون من الآن فصاعدًا اتّفاق ماي خشية عدم خروج المملكة إطلاقا من الاتّحاد.
والمسألة غير محسومة إطلاقا لرئيسة الوزراء، فقد أعلن حليفها الأيرلندي الشمالي في البرلمان الحزب الوحدوي الديمقراطي أنّه لن يُصوّت لصالح اتفاق بريكست “الضار”.
وأكد قيادي بارز بحزب المحافظين أن نواب مجلس العموم أمام خيارين: إما دعم الاتفاق الذي توصلت إليه ماي لتنظيم الخروج من الاتحاد الأوروبي وإما خروج “أسهل قليلا” تظل بريطانيا معه ضمن اتحاد جمركي مع التكتل الأوروبي.
وقال داميان غرين نائب ماي السابق ”إذا ما كنتم ترغبون في الخروج باتفاق، وهو ما ترغب فيه الغالبية العظمى من أعضاء مجلس العموم، فإن الخيار يبقى الآن بين اتفاق الحكومة، وهو الذي سأظل أصوت له، وبين اتحاد جمركي”.
وأضاف غرين في تصريحات لإذاعة “بي.بي.سي” أن ”الاتحاد الجمركي كان ينقصه ثمانية أصوات فقط من أجل الفوز، وهذا يعد بريكست أسهل قليلا من اتفاق الحكومة”. وأعلنت رئيسة وزراء بريطانيا الأربعاء أنّها ستستقيل من منصبها إذا تمّ تبنّي اتّفاق بريكست، في وقت فشل مجلس العموم في محاولته إخراج بريطانيا من المأزق الذي تسبّبت به أزمة الانقسام.
وبعد نفاد الخيارات، ووسط المخاطر بفقدان السّيطرة على عمليّة الخروج من الاتّحاد الأوروبي، أعلنت ماي أنّها ستترك منصبها في حال دَعَم النوّاب اتّفاقها للخروج. وجاء عرض رئيسة الوزراء قبل ساعات على سلسلة من دورات التّصويت غير المسبوقة في مجلس العموم في مسعى للتوصّل إلى خطة بديلة لخطة ماي، أفضت كلّها إلى تعميق الانقسام بين النواب بدلا من إيجاد حلّ للمأزق.
وطُلب من النوّاب التصويت بنعم أو لا على ثمانية خيارات، لكن لم يتمكّن أيّ منها من نيل غالبيّة، في نتيجة وصفها وزير بريكست ستيف باركلي بأنّها “تُعزّز نظرتنا بأنّ الاتّفاق الذي فاوضت عليه حكومتنا هو الخيار الأفضل”.
وخسر اقتراح لإنشاء اتّحاد جمركي جديد مع الاتحاد الأوروبي بفارق ضئيل بـ272 صوتا مقابل 264، لكنّ ماي كرّرت مرارا استبعادها هذا الخيار. وتعاظمت الضغوط في الأيام الأخيرة على ماي التي ما انفكّت سلطتها تضعف إزاء التحدّي الضّخم بتنفيذ بريكست، الملفّ الذي يقسم المملكة بعمق.
وقال وزير المال فيليب هاموند إن ماي “أظهرت مرّةً أخرى أنها تولي تنفيذ بريكست منظّم أهمّية أكثر من أيّ شيء آخر”. وكتب جيريمي كوربن، زعيم حزب العمّال المعارض، في تغريدة، إنّ هذا الإعلان “يُثبت أنّها (ماي)، إزاء مفاوضات كارثيّة حول بريكست، وضعت إدارة حزبها قبل الصالح العام”.
وعمليّات التصويت “الاستدلاليّة” هذه ليست ملزمة قانونيا للحكومة، وسبق أن أعلنت ماي أنّها ستُعارض خيار النوّاب إذا تناقض مع التزامات حزبها بشأن الخروج من السّوق الموحّدة ومن الاتّحاد الجمركي الأوروبي.