اللجوء السوري عبء أم متنفس للأردن

عمان - تقول أوساط سياسية متابعة إن الأردن أكثر المرتاحين لحصيلة “مؤتمر بروكسل 3” الذي عقدت أشغاله من الثلاثاء حتى مساء الخميس في عاصمة الاتحاد الأوروبي تحت شعار “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”.
وتشير الأوساط إلى الدعم السخي الذي قدمه المانحون الدوليون وبخاصة الأوروبيون للنازحين السوريين في الدول المضيفة (الأردن وتركيا، ولبنان ومصر والعراق) حيث ناهز 5.5 مليار دولار، من نحو 7 مليارات دولار هي مجمل المساعدات للسوريين المعلن عنها في هذا المؤتمر.
وتوضح الأوساط أن هذه المساعدات المالية المجزية من شأنها أن تعطي دفعة مهمة للأردن الذي يواجه أزمة اقتصادية متفاقمة، ذلك أنه وعلى حد قول أحد الخبراء السياسيين الألمان أندريه بنك في أحد الحوارات الصحافية معه “لا يجوز أن نصدّق خرافة أن الأموال المرسلة إلى الأردن تصل كلها إلى المحتاجين”.
وعلى خلاف الموقف اللبناني في مؤتمر بروكسل الذي عبر عنه رئيس الوزراء سعد الحريري حينما شدّد على أن الحل الوحيد لأزمة اللاجئين السوريين هو “بعودتهم الآمنة إلى بلادهم مع احترام القوانين والمعاهدات الدولية”، لم تتضمن كلمة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي الذي مثّل بلاده في هذا المؤتمر أي إشارة إلى رغبة المملكة في عودة النازحين، بل العكس، حيث بدت تصريحاته، وفق البعض، مشجعة لبقاء هؤلاء في بلاده، شريطة استمرار الدعم الدولي.
ودعا وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني “المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته كاملة إزاء اللاجئين السوريين وإزاء المملكة التي تستضيف مليونا وثلاثمئة ألف شقيق سوري وتقدم لهم كل ما تستطيع من خدمات رغم ظروفها الاقتصادية الصعبة”.
وقال الصفدي في مداخلة بالجلسة الافتتاحية للمؤتمر الذي نظمه الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بحضور وزراء خارجية وممثلي حوالي 80 دولة ومنظمة دولية، إن “الاستثمار في اللاجئين وتوفير العيش الكريم لهم هو استثمار في مستقبل المنطقة وأمنها واستقرارها”.
وثمّن وزير الخارجية الدعم الذي قدمه المجتمع الدولي للأردن لمساعدته على تحمل عبء اللجوء الذي سبب ضغوطات كبيرة على قطاعات رئيسية مثل التعليم والصحة وسوق العمل، لكنه حذّر من تراجع هذا الدعم وآثاره على اللاجئين وقدرة الأردن على الاستمرار في الحفاظ على مستوى الخدمات التي يقدمها.
تصريحات الوزير الأردني تعكس حقيقة أن بلاده لا تتبنى موقف لبنان من دعوة المجتمع الدولي للمساعدة في إعادة النازحين، بل إن عمّان ترى بأولوية أن يدعم الغرب جهودها في احتضان السوريين الذين لا توجد أرقام متفق عليها بين الأردن والأمم المتحدة بخصوص عددهم، حيث تقول الأولى بأن عددهم يتجاوز مليون ومئتي ألف نازح، فيما الأخيرة تقدر عددهم بأقل من 700 ألف نازح جزء كبير منهم يقطنون مخيمي الزعتري والأزرق في ظروف صعبة. ويقول مراقبون إن مقاربة لبنان لمسألة اللجوء مختلفة تماما عن الأردن لعدة اعتبارات لعل أهمها أن ما يحرك لبنان حيال هذه القضية الحساسة هو الطبيعة الديموغرافية لهذا البلد، حيث إن هناك اليوم في لبنان فجوة بين عدد المسلمين والمسيحيين، وبالتالي فإن بقاء النازحين السوريين وهم في معظمهم مسلمون سنة يثير قلق المكون المسيحي وبأقل درجة الطائفة الشيعية.
ويخشى المكون المسيحي خاصة من أن يكون هناك توجها دوليا لتوطين هؤلاء النازحين، وازداد هذا الهاجس مع السخاء الذي أظهره المانحون الدوليون في مؤتمر “بروكسل 3” الأمر الذي دفع وزير الخارجية جبران باسيل إلى التصريح الخميس “أنني هنا (في لبنان) ولست في بروكسل لأن مؤتمرات مثل مؤتمر بروكسل تمول بقاء النازحين ونحن نريد مؤتمرات تعيد النازحين إلى سوريا”.
ومعلوم أن باسيل الذي يرأس التيار الوطني الحر يتزعم الجبهة التي تنادي بتسريع عودة اللاجئين، ويقول محللون إن التيار الحر كما باقي القوى المسيحية تخشى من أن يؤدي التوطين إلى اتساع الهوة بين المسيحيين والمسلمين الأمر الذي من شأنه أن يؤثر حسب تصورهم على حقوق الطائفة المسيحية، ويزعزع على الأمد المتوسط نفوذهم السياسي.

في مقابل ذلك فإن الأردن ليست لديه هذه المشكلة الطائفية، وبالتالي فإن استمرار العدد الموجود من اللاجئين السوريين لا يؤثر عليه، بل العكس فهو مستفيد منهم لأن وجودهم يشكل شريان دعم دولي لا ينضب في بلد لا تتجاوز ميزانيتيه في العام 15 مليار دولار. ويرى منتقدو سياسة الأردن أن حديث عمّان المتكرر على أنّ دعمها للنازحين يتأتى فقط من موقف مبدئي وإنساني ينطوي على نوع من المبالغة، مشيرين إلى أن الأردن اعتمد على الانتقائية حينما فتح أبوابه للهاربين من الصراع مستشهدين برفضه السماح باستقبال اللاجئين من المخيمات الفلسطينية في سوريا.
ويلفت هؤلاء إلى إن اللاجئين على مر العقود الأخيرة وخاصة العراقيين شكلوا أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد الأردني ذلك أن معظمهم كانت أوضاعهم المادية جيدة، حينما قدموا للمملكة، وأنشأوا استثمارات هناك، كما ساهموا في إنعاش قطاع العقارات وهو الحال الذي ينطبق على جزء من السوريين أيضا.
ويشير المراقبون إلى أن استفادة الأردن من النزوح السوري لا تتعلق فقط بالدعم المالي الموجه إلى هؤلاء بل وأيضا من المشاريع الإنمائية التي قدمتها الدول الغربية في سياق تثمين جهوده في احتضان هذا العدد من النزوح.
ويقول المراقبون إن الأردن نجح في التسويق لصورة البلد المستقر وسط محيط متلاطم من الصراعات، وبالتالي على المجتمع الدولي دعمه وإسناده، للحفاظ على هذه الصورة.