البطالة قضية للجدل بالأردن في غياب الحل

عمان – يتردد في الصالونات السياسية بالأردن هذه الأيام حديث عن قرب إقالة حكومة عمر الرزاز، على وقع توالي فضائح التعيينات، وتفاقم الأزمة الاقتصادية التي كان من تمظهراتها ارتفاع معدلات البطالة إلى أرقام قياسية بلغت أكثر من 38 بالمئة لفئة الشباب، مع تصاعد الفجوة بين الحكومة والشارع الأردني.
وبرزت تكهنات بأن العمر الافتراضي لحكومة الرزاز، سينتهي مع إسدال الستار على الدورة العادية الحالية لمجلس النواب في أبريل المقبل، في ظل وجود امتعاض غير خفي من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني حيال طريقة تعاطي الحكومة مع الأزمة، وهو ما ترجم في تدخله بشكل مباشر في أكثر من ملف ومنها مسألة التعيينات التي أثارت جدلا كبيرا.
وتقول أوساط سياسية ونيابية إن حصيلة عمر الرزاز منذ توليه دفة إدارة الشأن العام كانت هزيلة جدا، من الناحية الاقتصادية وخاصة في معالجة مشكلة البطالة التي تتفاقم بشكل مطّرد حتى أنها سجلت نهاية العام الماضي زيادة بثلاثة أضعاف المعدل الطبيعي العالمي بنسبة 18.6 في الربع الأخير من العام 2018، وسط ترجيحات بأن تسجل في العام الحالي المزيد من الارتفاع.
وتشير الأوساط إلى أن الحكومة تبدو عاجزة فعليا عن مواجهة هذا المشكل، على ضوء استمرارها بالسير في نهج الحكومات السابقة ذاته، التي تجاهلت الإخلالات الحقيقية، وركزت اهتمامها على إنعاش خزينة الدولة عبر الزيادات الضريبية والحصول على المزيد من القروض -وإن بفوائد منخفضة نسبيا- يبقى المواطن الأردني هو من سيدفع ثمنها مستقبلا.
وبدا واضحا أن الملك عبدالله الثاني قرر تولي زمام الأمور بنفسه، في ظل خشية من مآلات عدم طرح حلول جذرية خاصة لأزمة البطالة التي باتت تشكل كابوسا يتهدد استقرار المملكة، على ضوء التململ الحاصل في صفوف الشباب الذين بادروا إلى التحرك والاحتجاج بأساليب مختلفة في الآونة الأخيرة كان من بينها قيام المئات من شباب المناطق الطرفية بمسيرات راجلة إلى الديوان الملكي في العاصمة عمّان وليس مقر الحكومة في رسالة بأنه لم يعد لديهم ثقة في هذه الأخيرة وأن الخطاب سيكون موجها لصاحب القرار مباشرة.
العمر الافتراضي لحكومة عمر الرزاز، سينتهي مع إسدال الستار على الدورة العادية الحالية لمجلس النواب في أبريل المقبل
وطالب العاهل الأردني الأربعاء خلال ترؤسه اجتماعا لمجلس السياسات الوطني في قصر بسمان بوضع الخطط العملية لإيجاد فرص عمل للشباب والحد من مشكلة البطالة باعتبارها الأولوية القصوى.
وقال الملك عبدالله الثاني إن البطالة تحدّ كبير أمام الشباب والحد منها وتأمين مستقبل أفضل لهم “أولويتي القصوى، فالشباب هم السواعد التي أعتمد عليها لتجاوز الصعوبات والتحديات التي تواجه الوطن”. ودعا الملك الحكومة، خلال ترؤسه للمجلس بحضور ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، للاستمرار في الحوار الذي بدأته مع الشباب، إضافة إلى تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص بهدف تحفيز نموه ما سيوفر المزيد من فرص العمل.
وشدد خلال الاجتماع الذي حضره أيضا مستشاره الأمير فيصل بن الحسين، على أن جميع التعيينات الحكومية يجب أن ترتكز على أسس الكفاءة وتعتمد منهجيات واضحة وشفافة وعادلة ونزيهة، وتضمن تكافؤ الفرص للجميع.
وطالب الملك جميع المسؤولين بالعمل على توفير الفرص للشباب لإطلاق إبداعاتهم وطاقاتهم والتواصل معهم للوقوف على همومهم وطموحاتهم.
وتماشيا مع النهج المباشراتي للملك عبدالله الثاني في مسعاه لاحتواء الشباب العاطل عن العمل قام الخميس ولي العهد الأمير حسين بن عبدالله الثاني بزيارة إلى أحد فروع التشغيل التابع لوزارة العمل في العاصمة عمان، للاطلاع على فرص العمل المطروحة فضلا عن مخاطبة الوافدين لتقديم مطالب تشغيل.
ويرى خبراء أن التحركات الجارية لمعالجة أزمة التشغيل في الأردن تحتاج إلى تفعيل على أرض الواقع حيث سبق وأن وجه الملك عبدالله الثاني مرارا الحكومات المتعاقبة إلى التركيز على معالجة الإخلالات الكامنة في منظومة التشغيل بيد أنه لم يسجل أي تقدم حقيقي وظل العاطلون عن العمل يدورون في حلقة مفرغة، وأعدادهم في ارتفاع مستمر.

ويشير الخبراء إلى أن إحدى الإشكاليات التي تقف حجر عثرة أمام استيعاب العاطلين هو ضعف الاستثمارات في المملكة، فرغم أن الأردن يحظى بعلاقات قوية مع عدة دول بيد أنه لا يعد بيئة جاذبة للمستثمرين الأجانب والعرب على السواء نتيجة تفشي ظاهرة الابتزاز والرشاوى، فضلا عن التعقيدات الإدارية.
وكانت العاصمة البريطانية لندن قد احتضنت قبل أيام مؤتمرا لدعم الأردن، ولكن مثل هذه المؤتمرات لن يكون لها أثر فعلي على الواقع الاقتصادي بل على العكس تماما حيث إن معظم الدعم المقدم من خلالها هو في شكل قروض.
ويقول خبراء الاقتصاد إن الإخلالات الكبرى التي تعوق النهوض بمنظومة التشغيل في الأردن هو غياب المواءمة بين متطلبات سوق الشغل والتخصصات التعليمية، ورغم أن الحكومات تدرك هذا الأمر بيد أنها لم تتحرك لمعالجة هذه الوضعية، ما أدّى إلى ارتفاع لافت في عدد العاطلين من أصحاب الشهائد العليا حيث تقول آخر الإحصائيات إن نسبة هذه الفئة تجاوزت 24 بالمئة.
ونقلت الخميس وسائل إعلام محلية عن مصادر مطلعة بأن هناك توجها بالفعل لبحث إيقاف القبول في التخصصات الراكدة والمشبعة اعتبارا من العام الجامعي المقبل، ولكن يبقى الأمر قيد الدرس.
ويرى مراقبون أن إيجاد حلول جذرية لأزمة البطالة في الأردن تتطلب إرادة سياسية وجرأة كبيرة من خلال إعلان حرب فعلية على الفساد الذي ينخر قطاعات واسعة في الدولة ومن أهم ظواهره المحسوبية وتوريث أبناء المسؤولين للوظائف، وأيضا معالجة الإخلالات القائمة.