اغتيال الشخصيات معنويا يقلق دوائر القرار في الأردن

حكومة عمر الرزاز تتحرك لمواجهة حرب التسريبات استجابة لتحذير الملك عبدالله الثاني.
الخميس 2019/03/07
الملك عبدالله الثاني يهدد المتورطين في التسريبات

موقف العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني من تسريب وثائق حكومية غير مخول للعموم الاطلاع عليها، يعكس قلقا من تنامي هذه الظاهرة لما فيها من انعكاسات سلبية على العلاقة بين الشارع ومؤسسات الدولة.

عمان – تثير التسريبات المتواترة لوثائق حكومية قلق الدوائر الرسمية الأردنية، وسط خشية من أن تتعاظم هذه الظاهرة لتأخذ بعدا أكثر درامية في سياق حرب تصفية الحسابات الداخلية واغتيال الشخصيات معنويا.

ونقلت وسائل إعلام محلية الأربعاء عن مصادر مقربة من الحكومة اتخاذ جملة من الإجراءات الداخلية لضمان عدم تسريب الوثائق والكتب الرسمية الداخلية للإعلام والمواطنين. ومن ضمن تلك الإجراءات التعميم على الموظفين الحكوميين الالتزام بقانون حماية أسرار ووثائق الدولة.

وكان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قد انتقد الثلاثاء في تغريدة عبر حسابه على موقع “تويتر” تسريب وثائق حكومية حول تعيينات لأشخاص في وظائف بمؤسسات الدولة.

وقال الملك عبدالله الثاني في تغريدته “اغتيال الشخصية ونشر المعلومات المغلوطة، هما تعدّ صارخ على الحياة الشخصية وعلى الأعراف والقوانين، وهذا الأمر دخيل على مجتمعنا وقيمنا”. وأضاف “أما تسريب المعلومات والوثائق الرسمية فهو أمر مرفوض ومناف للأخلاق ولن نسمح به، والقانون سيأخذ مجراه”.

وواجهت الحكومة الأردنية خلال الأيام الأخيرة هجوما كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي واتهامات بالفساد بعد تسريب عدة وثائق تكشف أسماء أشخاص عيّنوا في مناصب ووظائف حكومية.

ووجد المواطنون في الوثائق فرصة للهجوم على الحكومة، ببلد تتجاوز فيه نسبة البطالة 18 بالمئة، ويتهمونها بتعيين أشخاص محسوبين على مسؤولين.

وبلغ الهجوم أشده بعدما انتشرت وثائق لأسماء شخصيات في مناصب عليا جميعهم أشقاء لأعضاء في مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان)، قبل أن يتدخل الملك آنذاك ويطالب بإجراء مراجعة لأسس التعيين.

وكانت آخر قائمة نشرت تتضمن أسماء لأشخاص عيّنوا في التلفزيون الرسمي برواتب تصل إلى 1500 دولار شهريا، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه متوسط الراتب الحكومي 550 دولارا تقريبا، وذلك بعدما أظهرت وثائق مسربة موافقة الحكومة على تعيين ثلاثة موظفين في وزارة العدل، بمجموع رواتب وصل إلى 10 آلاف دولار؛ الأمر الذي أشعل مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي محاولة لامتصاص غضب الشارع، سارع رئيس الوزراء عمر الرزاز إلى وقف جميع التعيينات في المؤسسات والدوائر الحكومية، التي تم البدء بإجرائها، بما في ذلك التعيينات التي حصلت في وزارة العدل، مطالبا بإخضاع جميع التعيينات في الوزارات والمؤسسات الحكومية، للمعايير والرواتب التي يحددها ديوان الخدمة المدنية.

ويرى متابعون أن هذه التسريبات قد يكون خلفها موظفون حانقون على سير التعيينات التي لطالما شابتها الكثير من الشبهات، لكن ذلك لا ينفي فرضية أن تكون هناك أطراف تحاول ضرب الحكومة الجديدة، خاصة وأن هناك قوى محافظة بدت ممتعضة من تعيين عمر الرزاز رئيسا للوزراء، وهي لا تنفك، بحسب مقربين منه عن وضع العصي في دواليب حكومته.

تدخل الملك عبدالله الثاني يأتي إدراكا منه لخطورة ظاهرة التسريبات، حيث إن أي مسؤول سيتردد في اتخاذ أي قرار

وبدا أن التسريبات الأخيرة تستهدف بشكل خاص رئيس الوزراء الرزاز القادم من خارج الطبقة التقليدية التي تداولت على المناصب القيادية في الدولة طيلة العقود الماضية.

ويقول المتابعون إن تدخل الملك عبدالله الثاني وانتقاده لهذه الحرب يأتي إدراكا منه لخطورتها، حيث إن أي مسؤول سيتردد كثيرا في اتخاذ أي قرار، فضلا عن كون أن هذه الأساليب من شأنها أن تعزز الفجوة بين مؤسسات الدولة والشارع الأردني.

ويعتبر البعض أن هناك خشية حقيقية من أن تتوسع دائرة التسريبات لتشمل مؤسسات حساسة في الدولة، الأمر الذي من شأنه أن يهدد هيبتها، وصورة أصحاب القرار في الداخل كما الخارج.

وسبق أن حذر العاهل الأردني في الأشهر الماضية من عمليات التشويه المتعمد لشخصيات سياسية ونيابية من خلال الزج بأسمائها في ملفات فساد على غرار قضية الدخان المرفوعة حاليا أمام القضاء.

وشهد الأردن في مايو الماضي احتجاجات غير مسبوقة كان من شعاراتها محاربة الفساد والمحسوبية وتوريث المناصب لأبناء المسؤولين. وتجددت هذه الاحتجاجات في ديسمبر الماضي، ومن شأن التسريبات لوثائق حكومية أن تعزز غضب الشارع.

ويواجه الأردن منذ سنوات أزمة اقتصادية متفاقمة يرى الكثيرون أن الحكومات المتعاقبة تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عن استفحالها جراء خياراتها الترقيعية في مواجهتها، فيما يقول نشطاء إن تفشي الفساد والمحسوبية وعمليات توريث المناصب بعيدا عن معايير الكفاءة عامل أساسي في الأزمة.

2