البحرين في عقدين من حكم حمد بن عيسى

شهدت البحرين أخطر امتحان للقدرة على مواجهة التحديات، لكنها أفشلت محاولات كسرها من الداخل، وتصدت للمشروع الفارسي المتخفي وراء الجماعات الطائفية المتشددة، وانتصرت لهويتها الوطنية والقومية ولمواقفها المعتدلة.
الخميس 2019/03/07
قدرة فائقة على مواجهة التحديات

عشرون عاما مرّت على جلوس الملك حمد بن عيسى آل خليفة، شهدت فيها البحرين أخطر امتحان للقدرة على مواجهة التحديات، لكنها أفشلت محاولات كسرها من الداخل، وتصدت للمشروع العنصري الفارسي المتخفي وراء الجماعات الطائفية المتشددة، وانتصرت لهويتها الوطنية والقومية ولمواقفها المعتدلة، ولتاريخها الحافل كمنارة للحضارة وخيمة للتعايش السلمي، وبلد متسامح محب متجذر في بيئته الخليجية والعربية، ومنفتح على العالم.

في السادس من مارس 1999، تولى الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم ليقود بلاده إلى مرحلة مهمة من تاريخها من خلال مشروع وطني جامع، جاء ليؤسس لحياة ديمقراطية متقدمة، وليكرس العمل المؤسساتي كأساس للبناء المجتمعي السليم، وذلك من خلال ميثاق العمل الوطني الذي تم إقراره في الاستفتاء العام الذي أجري في 14 فبراير سنة 2001، ثم من خلال دستور مملكة البحرين، الذي صدر عام 1973 والتعديل الذي أدخل عليه عام 2002 بما يتضمنه كل ذلك من الأسس والمبادئ الدستورية التي تنظم علاقات وشؤون الدولة، والسلطات، سواء تلك المتعلقة بسلطة الملك، أو السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وكذلك الحقوق الأساسية للمجتمع والشؤون المالية.

خلال سنوات قليلة، تحولت مملكة البحرين إلى دولة يشار إليها بالبنان بين الديمقراطيات الصاعدة، خصوصا بعد أن أصبح لها مجلس وطني (برلمان) أتيحت له جميع الصلاحيات التشريعية والرقابية من أجل أن يكون شريكا في العمل الوطني، ينتخب من جميع المواطنين، رجالاً ونساء، حيث شهد عام 2002، ومباشرة بعد تعديل الدستور، تنظيم انتخابات لاختيار أعضاء مجلس النواب، وقام الحاكم بتعيين أعضاء لمجلس الشورى، وبذلك تم تشكيل أول مجلس وطني منذ عام 1975، كما تشكلت الجمعيات السياسية لتكون في شكل أقرب ما يكون للأحزاب السياسية، في ظل مجتمع مدني استفاد من الطاقات التي كانت كامنة في شعب عرف برقيه الحضاري وبإقباله على التعليم والثقافة، وبتطور أدواته المعرفية وخاصة تلك الموجهة للأجيال الصاعدة.

وفي العام 2010 تم إنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وفق مبادئ باريس الدولية، وفي عام 2018 فازت مملكة البحرين بمقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع لهيئة الأمم المتحدة، بفضل المبادرات الإصلاحية والانفتاحية التي اتخذها ملك البحرين، والتي تمخضت عن انضمام المملكة لمعظم الاتفاقيات الحقوقية الدولية، في مقدمتها العهدان الدوليان، السياسي والاقتصادي والاجتماعي واتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة (سيداو).

كل هذا وغيره كان مواكبا لحركة تنموية مهمة في بلد يطمح من خلال رؤية مملكة البحرين الاقتصادية 2030 إلى المنافسة على دور الريادة الإقليمية في مجالات المال والأعمال، وفي النهوض الاقتصادي عبر أسس تعطي لمبادرة الفرد دورا مركزيا، انطلاقا من تكريس مبدأ الحرية الاقتصادية والملكية الخاصة والعدالة الاقتصادية والتوازن في العقود وتنوع النشاط الاقتصادي ومصادر الدخل القومي والبيئة والحياة الفطرية والأموال العامة والثروات الطبيعية والعمالة والتدريب.

الحرية الاقتصادية في البحرين لا تتناقض مع الدور الاجتماعي للدولة التي تكفل الخدمات التعليمية والإسكانية والرعاية الصحية والعمل لجميع مواطنيها، مع الاهتمام بذوي الدخل المحدود، وتوجيه الرعاية لذوي الاحتياجات الخاصة، لتواصل المملكة تقدمها في مؤشر التنمية البشرية العالمي، إذ إن المؤشر ارتفع بين الأعوام 1990 و2017 بزيادة 13.4 بالمئة.

واصلت البحرين نجاحاتها الاقتصادية والاجتماعية وبناءها الحضاري والثقافي وتجربتها الديمقراطية، بالرغم من كل ما تعرضت له منذ عام 2011 من محاولات الانقلاب على الشرعية الدستورية والتاريخية التي تم التخطيط لها وتمويلها من قبل جماعات متشددة تسير في ركب نظام الملالي بدعم من النظام القطري، عندما سعت طهران والدوحة وقوى الإسلام السياسي بشقيها الشيعي والسني، إلى جعل البحرين مخبرا متقدما لما سمي بالربيع العربي في منطقة الخليج، والانطلاق منها إلى دول الجوار، بهدف الإطاحة لا بالأنظمة فقط وإنما بسيادة الدول ووحدة المجتمعات والشعوب، وهو ما تفطن إليه الأشقاء الأقربون، فساهموا في مواجهته والتصدي له، من خلال دعمهم للمملكة التي نجحت لا في أن تكون خط الدفاع الأول عن عروبة وأمن واستقرار الخليج خلال السنوات الماضية فحسب، وإنما في أن تمثّل رمزية حقيقية لكل العرب، بعد أن تمكنت من التصدي للمؤامرة برؤية حكيمة وصلابة في الموقف وذكاء في إدارة الأحداث.

عقدان مرا على تولي الملك حمد بن عيسى آل خليفة حكم البحرين، شهدا قدرة فائقة على مواجهة التحديات وعرفا إنجازات تاريخية مهمة، وأعطيا دروسا مستفادة في العمل السياسي القادر على تحصين الدولة عبر البناء الاجتماعي الصلب في الداخل، وعبر تحالفات قوية مع الأشقاء وفي مقدمتهم السعودية والإمارات، سواء في معركة الحرب ضد الإرهاب والتطرف، أو في مواجهة الخطر الفارسي والتآمر القطري، وستبقى البحرين متينة في بنائها، قوية بعطائها، وفية لانتمائها، عصية على أعدائها، محفوفة بأشقائها، متمسكة بشموخها وكبريائها.

9