آل النجيفي يتلمسون طريق استعادة مكانتهم عبر ركام الموصل

رئيس لجنة تقصي الحقائق في نينوى أسامة النجيفي يتهم محافظ نينوى بالفساد ويطلب منعه من السفر.
الأربعاء 2019/03/06
طريق الموصل ليست سالكة

الموصل (العراق) - تتّخذ عائلة آل النجيفي من الدفاع عن مدينة الموصل وأوضاعها المزرية بعد الحرب المدمرة التي شهدتها، ومن إثارة قضايا الفساد المستشري في إدارة شؤونها الخدمية والاقتصادية والأمنية والذي يساهم في تأخير تعافيها من آثار الحرب، وسيلة لاستقطاب الأضواء في إطار سعيها لاستعادة نفوذها السياسي في ثاني أكبر مدن العراق سكانا، بعد تعرّض العائلة ذات المكانة المرموقة ضمن كبريات العائلات السنّية، لانتكاسة خطرة عندما اجتاح تنظيم داعش قبل حوالي خمس سنوات مساحات واسعة من البلاد بينها الموصل.

وأثار أسامة النجيفي، الذي يعتبر “العميد” الحالي للعائلة، ضجّة مدوّية حول طريقة المحافظ فيصل العاكوب في إدارة شؤون الموصل متهما إياه بالضلوع في قضايا فساد كبرى، ومطالبا الحكومة المركزية بمنعه من السفر.

وللمفارقة، فإن عائلة النجيفي التي لعبت دورا مؤثرا في المشهد السياسي العراقي بعد العام 2003، تعتمد على الموصل فحسب في قاعدتها الشعبية، ولا تملك تأييدا خارجها وهو ما سهّل على رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي تجريدها من نفوذها السياسي إثر احتلال تنظيم داعش للمدينة في ظروف ما تزال غامضة وتثار حولها الأسئلة بشأن مدى مسؤولية المالكي نفسه عن تلك الكارثة باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلّحة التي أدّت الأوامر المتضاربة للوحدات التابعة لها والمكلّفة بحماية الموصل في إرباكها وتراجعها أمام زحف بضع المئات من مسلحّي داعش صيف سنة 2014.

ومنذ سقوط الموصل لم يعد لعائلة آل النجيفي ثقل سياسي لاسيما عندما أقدم البرلمان العراقي على سحب الثقة من محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، عقب نحو عام واحد من سقوط المدينة بعد اتهامه بالتخابر مع دول خارجية.

ومع أن شقيق أثيل الأكبر أسامة النجيفي حافظ على مكانة ثابتة في منظومة الحكم العراقية بشغله منصب نائب رئيس الجمهورية خلال الدورة الماضية، إلا أن تأثيره السياسي ظل يفتقر إلى الرافعة الشعبية التي كانت توفرها نينوى.

وحتى انتخابات العام 2014 التي جرت قبل مدة وجيزة من اجتياح تنظيم داعش لأراضي العراق كانت عائلة النجيفي تستحوذ على الجزء الأكبر من المقاعد المخصصة لنينوى في البرلمان العراقي لكن انتخابات 2018 أفرزت واقعا جديدا، تحولت بموجبه العائلة إلى مشارك في عملية التمثيل السياسي للمحافظة، وليست رائدة لها.

وبرغم التعددية السياسية التي تشهدها الموصل حاليا، فإن المدينة لم تقدم زعيما بديلا يمكن أن يجمع حوله عددا كبيرا من الجمهور.

وتسعى العائلة، إلى استغلال الفوضى الخدمية والإدارية التي تعصف بالموصل بعد استعادتها من تنظيم داعش، لتقديم نفسها ممثلا لهذه المدينة.

وتقول مصادر “العرب” إن العائلة تعمل في اتجاهين، الأول هو التخلص من محافظ نينوى الحالي نوفل العاكوب، الذي لا تُعرف على وجه التحديد ميوله السياسية، والثاني هو إثبات براءة المحافظ السابق أثيل النجيفي من تهم التخابر التي تلاحقه.

ويرأس أسامة النيجفي لجنة لتقصي الحقائق في نينوى. وقال في بيان إنّ عمل اللجنة أفضى إلى كشف “ملفات خطيرة للغاية تتعلق بالخروقات والمخالفات المالية غير المسبوقة”، متّهما المحافظ نوفل العاكوب بالمسؤولية عن ظاهرة فساد كبيرة، و“بإهدار المال العام عبر سلسلة من التصرفات التي لا يمكن أن تنتظم وفق نظام أو قانون”.

وطالب النجيفي رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي بـ“سحب يد المحافظ لمنع أي تأثير على لجان النزاهة والهيئات القضائية التي تحقق معه”، داعيا إلى “اتخاذ الإجراءات القانونية لمنعه من السفر لحين الانتهاء من التحقيقات بشأن التهم والخروقات المسندة له”.

ويقول النجيفي، إن “التصدي للفساد ومكافحته يضيف زخما كبيرا لوقف أي انهيار أمني في محافظة خرجت من أقسى احتلال يمثله تنظيم داعش الإرهابي”، في إشارة إلى مخاطر ترك الموصل للغرق في مستنقع الإهمال، ما يهدد بظهور التطرف العنيف مجددا.

ويحذّر في المقابل من “نشوء اللادولة” في الموصل حيث “تتصرف بعض الأطراف خارج نطاق القانون وتنهب الثروات وتفرض الأتاوات”.

وبالتوازي مع حراك شقيقه أسامة، يعمل أثيل النجيفي على إثبات براءته أمام القضاء العراقي من تهم التخابر الخارجي، بالتزامن مع شيوع أنباء غير مؤكدة عن نية القضاء العراقي إعادة النظر في ملفات ساسة سنّة متّهمين بدعم الإرهاب، بينهم النائب الأسبق لرئيس الجمهورية طارق الهاشمي، ووزير المالية الأسبق رافع العيساوي.

ويحاول محافظ نينوى السابق وفقا لتعليقات أدلى بها حصر القضايا المرفوعة ضده في الجانب الإداري بعيدا عن السياسة لكنه يعتقد أن إطلاق شائعات صدور عفو قضائي عن ساسة سنّة متهمين بدعم الإرهاب يستهدف التأثير السلبي عليه وليس دعم جهوده.

ونفى أثيل ذلك قائلا عبر تويتر إنّ ما نُشر بشأن “وجود وساطات سياسية تجمع شخصيات ليس بينها رابط ولا تنسيق، سوى أنها جميعا من السُنّة، إشاعة مقصودة لإحراج القضاء وإظهار أي معالجة قانونية وكأنها صفقة سياسية مشبوهة”.

وحافظ أثيل النجيفي على علاقات متوازنة مع أطراف شيعية وكردية عديدة وينظر إليه بوصفه العقل السياسي المدبر في هذه العائلة بخلاف شقيقه أسامة الذي توصف مواقفه السياسية بالتشدد.

لذلك يعتقد مراقبون أن لدى أثيل النجيفي دورا يمكن أن يلعبه خلال المرحلة المقبلة في ظل عجز الطبقة السياسية السنية عن ملء الفراغ في القيادة الذي تعانيه أمام الأحزاب الشيعية والكردية.

3