خلاف فرنسا وإيطاليا حول دافنشي.. يحق لإيطاليا أن تعتز بعبقري أنجبته

ليوناردو دافنشي هذا المخترع والفنان العبقري الإيطالي مثلت ذكراه مسألة إضافية على لائحة مسائل وترت العلاقات بين فرنسا وإيطاليا في الفترة الأخيرة، قبل أن يعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن البلدين وصلا إلى اتفاق بتنظيم احتفالات مشتركة لإحياء الذكرى السنوية الـ500 لوفاة دافنشي.
الخلافات بشأن ذكرى وفاة هذا الفنان والمخترع العبقري الاستثنائي بمختلف المقاييس المعروفة والمتعلقة بالتصنيف والتوصيف تمحورت حول من الأحق بإحياء هذه الذكرى: إيطاليا التي ينحدر منها دافنشي وترعرع فيها ولها وحدها يعود الفضل في تنشئته الفكرية والعلمية وصقل مواهبه الفنية وبروز عبقريته، أم فرنسا التي قضى فيها آخر ثلاث سنوات من حياته وتوفي فيها؟
الأمر هنا يبدو جليا وواضحا ولا يحتاج الكثير من النقاش حول هوية ليوناردو دافنشي، إذ لا يمكن أن يجادل اثنان في أصول الفنان والمخترع أو يختلفان حول المكان الذي تنتمي إليه جذوره.
فهل يمكن أن نقول إن دافنشي ليس إيطاليا؟ قطعا لا.
دافنشي الفلورنسي التوسكاني الذي تنقل في مناطق كثيرة في إيطاليا بينها ميلانو وروما والبندقية يمثل رمزا لعصر النهضة الذي انطلق من إيطاليا واجتاح أوروبا بدرجات مختلفة.
الاعتزاز بالإرث الثقافي لليوناردو دافنشي أحقية مشروعة لإيطاليا والتمسك بإرثه الثقافي نتيجة طبيعية لهذا الفخر والاعتزاز بعبقري موسوعي لا نظير له، فهو كما تقول لوشيا بورجونزوني وزيرة الدولة الإيطالية للتراث الثقافي “كان إيطاليا مات فقط في فرنسا”.
دافنشي الفلورنسي التوسكاني الذي تنقل في مناطق كثيرة في إيطاليا بينها ميلانو وروما والبندقية يمثل رمزا لعصر النهضة الذي انطلق من إيطاليا
وانطلاقا من هذا التفسير برزت معارضة في إيطاليا لاتفاقية بموجبها يمكن لمتحف اللوفر الفرنسي استعارة لوحات فنية من متاحف إيطالية بغرض تنظيم معارض وفعاليات من بينها الاحتفالات بذكرى وفاة دافنشي.
قد يقول البعض إن الفنان مثل أعماله، بمجرد أن يزاح الستار عنها تصبح ملكا للجمهور من منطلق الإمكانات المتاحة للفهم والتأويل ودرجات التأثر والإعجاب التي تختلف من شخص إلى آخر وأن المخترع بدوره يصبح ملكا متاحا لكل الإنسانية على مر الأزمنة والأمكنة من منطلق الاستفادة من ابتكاراته واكتشافاته وإنجازاته.
هذا كلام صحيح وفيه شيء من المنطقية، لكنه يصطبغ برؤية رومنسية لا تعترف بشريعة الواقع ومتطلباته.
وبالرجوع إلى الواقع يتبين لنا أن في النقاش حول أحقية الاحتفاء بمرور خمسمئة عام على وفاة دافنشي يبدو الخلاف مثارا بدوافع سياسية بالأساس ظهر مع تدهور العلاقات بين روما وباريس في الفترة الأخيرة بدليل أن الخلاف حول تبادل الإرث الثقافي لدافنشي تم تجاوزه بمجرد بروز مساع لتهدئة التوتر من كلا البلدين في ما يتعلق بالملفات السياسية التي تختلف فيها وجهات النظر.
ورغم أن الخلافات بشأن الفعاليات الثقافية لإحياء ذكرى سنوية لفنان بعينه أو حدث بعينه في البعض من الأحيان أمر شائع في كل العالم دون استثناءات تذكر، وهو ما تؤكده سيسيلي هولبرج الأمينة العامة لمتحف جاليري ديل أكاديميا في فلورنسا بقولها “دائما ما تكون هناك معارك عندما يتعلق الأمر بإقامة معارض كبرى لإحياء ذكرى سنوية”، إلا أن الخلاف بين فرنسا وإيطاليا بشأن الذكرى السنوية لوفاة دافنشي كان مهددا بالانحراف إلى مستويات مبالغ فيها بسبب النزعة القومية للبعض في بناء مواقفهم من هذه المسألة.
وبالنظر إلى تطورات الخلاف بين فرنسا وإيطاليا حول ليوناردو دافنشي، من الضروري بل من الطبيعي التذكير بأن الفن كفكرة وكممارسة وكمعطى يتم التعامل معه ليس من المقبول بأي منطق كان أن تطاله الحسابات السياسية لأنه ممارسة خارجة عن مقاييس هذه اللعبة التي تحتكم في قوانينها إلى لعبة أخرى تحركها في الخفاء هي لعبة المصالح بمختلف محركاتها.