كتب الأطفال العربية متواضعة شكلا ومضمونا

ربما تعتبر ثقافة الطفل في أغلب الأوطان العربية وكل منتجاتها ثقافة درجة ثانية أو هي ثقافة تسلية أو تعليم سطحي في أفضل حالاتها، حتى أن الفاعلين في الأنشطة الثقافية الموجهة للطفل سواء من الكتاب أو المسرحيين أو السينمائيين والرسامين وغيرهم ينظر إليهم على أنهم مبدعون أقل شأنا من غيرهم، وهذه النظرة الدونية خطأ فادح، حيث يجب أن يكون الطفل وثقافته ومبدعوها في الصف الأول من الاهتمام. فيما يلي حوار مع الكاتب الأردني محمد جمال عمرو حول واقع أدب الطفل العربي وثقافته.
حجاج سلامة
الأقصر (مصر) – لا يمكن لأمة أن تنهض دون استثمارها في البشر، والاستثمار في الإنسان يبدأ منذ نعومة أظفاره ومن ثقافته التي ينشأ عليها والتي تعتبر مصباح الوعي، الوعي الذي لا يمكن التأسيس من غيره. لذا فإن الثقافة الموجهة إلى الطفل بمختلف مظاهرها الأدبية والعلمية واللغوية يجب أن تكون هاجسا لدى الشعوب التي تطمح إلى التطور والتقدم.
في هذا الإطار يؤكد الكاتب الأردني محمد جمال عمرو، رئيس لجنة أدب الطفل برابطة الكتاب الأردنيين والشاعر والأديب المعروف في مجال أدب الطفل، أن العالم العربي بحاجة إلى إعلان حالة الاستنفار لتقويم مسيرة ثقافة الطفل العربي.
ثقافة الطفل
يقول محمد جمال عمرو في مقابلة معه، خلال زيارته الأخيرة لمصر، إن “الطفل العربي بات ينهل اليوم من مصادر عدة، تأخذه إلى ثقافات بعيدة عن ثقافتنا، وقيم بعيدة عن قيم مجتمعاتنا العربية، وهي مصادر تمتلك من أدوات الإبهار والجذب ما تفتقده ثقافة الطفل العربي الآن، وهنا تكمن خطورة مثل تلك المصادر، وتأتي الحاجة إلى ضرورة الإسراع في تقديم محتوى ثقافي وأدبي يليق بطفلنا العربي”.
ويوضح الكاتب أن من الأخطار التي تهدد هوية الطفل العربي اليوم، ميل بعض المربين وأولياء الأمور إلى تحبيب الأطفال في لغات أخرى غير لغتهم العربية، ويخاطبونهم على سبيل المثال باللغة الإنكليزية من أجل التباهي، وفي إطار التقليد الأعمى، الذي يعد إحدى أدوات إضعاف احترام الصغار للغة العربية، وصرفهم عنها، وهو الأمر الذي يؤدي إلى أمور عدة بينها تراجع المطالعة والقراءة باللغة العربية وضعف توزيع الكتاب العربي.
الطفل العربي بات ينهل اليوم من مصادر تأخذه إلى ثقافات بعيدة عن ثقافتنا، وقيم بعيدة عن قيم مجتمعاتنا العربية
ويضيف أن “القائمين على ثقافة الطفل العربي أخفقوا في إيجاد شخصيات تكون قدوة ومثلا لطفل اليوم، في الوقت الذي يجد فيه الطفل العديد من الشخصيات الجاذبة بلغات أخرى ومن ثقافات مغايرة لثقافتنا، وأصبح متعلقا بها، ويأتمر بأوامرها، ويحلم بها في مستقبله”.
ويقول عمرو “يأتي ذلك الإخفاق في تقديم شخصيات عربية تجذب أطفالنا بالرغم من أن تاريخنا وحضارتنا فيها من القادة والعظماء والعلماء والظرفاء ما لا يوجد في حضارة أخرى”.
مشيرا إلى أن “المسؤولية في ذلك تقع على أولياء الأمور والمربين وواضعي الكتب والمناهج المدرسية والقائمين على المؤسسات الثقافية المعنية بالطفل العربي”.
النشر وأدب الطفل
في حديثنا حول واقع كتاب الطفل ومؤلفي أدب الأطفال في العالم العربي اليوم، يقول جمال عمرو إن “العلاقة بين أطراف صناعة النشر والوسائط الموجهة إلى الطفل العربي تحتاج إلى وقفة جادة، يتم فيها ترسيم العلاقة من جديد بين المؤلفين والناشرين، من جهة، وبين الناشر والقارئ من جهة أخرى”.
ويلفت الكاتب الأردني إلى تزايد شكوى المؤلفين مما أسماه بـ”عقود الإذعان” التي تحكم علاقتهم بالناشر، وهم لا يملكون إلا الانصياع لشروطها أو العزوف عن النشر، لافتا إلى أن الناشر يشكو من جانبه من ضعف إقبال الأطفال على شراء الكتب الورقية، الأمر الذي يوجب على جميع الأطراف وضع مصلحة الطفل محل الاهتمام، والسعي سويا لتخطي العوائق كافة، وصولا إلى تقديم وسائط متميزة ومتنوعة للطفل العربي.
ويقول عمرو إن هناك عوامل طارئة أحدثت حركة نشطة في مجال نشر كتاب الطفل بالعالم العربي، وإن كانت تلك الحركة لا ترقى إلى المستوى المطلوب.
وأوضح أن من تلك العوامل التي ساعدت على حدوث الحركة النشطة في مجال النشر للأطفال، المسابقات الكبرى في القراءة والمطالعة، مثل مبادرة تحدي القراءة، التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد، والتي دفعت العديد من الأطراف إلى نشر كتب الأطفال وإلى إنتاج المزيد منها نظرا إلى الحركية القرائية التي أحدثتها الجائزة في مختلف الأقطار العربية.
ويتابع “ورغم ذلك تظل كتب الأطفال العربية المنشورة متواضعة شكلا ومضمونا، وأقل من الكم الذي ينبغي أن تكون عليه”.
ويكشف عمرو عن أن عملية النشر الإلكتروني أخذت حيزا لا يستهان به من المساحة المتاحة للنشر الورقي، وصارت المواقع المعنية بكتب الأطفال تزداد يوما بعد يوم، ويزداد مع تزايد أعدادها الحرص على تقديم محتوى متميز شكلا ومضمونا.
يذكر أن محمد جمال عمرو شاعر وكاتب أطفال قدم قرابة 250 مؤلفا في مجال أدب الأطفال، تنوعت بين أشعار وقصص خاصة بالأطفال، وقد نشرت كتاباته في الأردن ومصر والإمارات، وحاز على الكثير من الجوائز مثل جائزة الملك عبدالله الثاني للإبداع عام 2012، وجائزة “أنجال هزاع بن زايد” عام 2001، وجائزة عبدالحميد شومان في عام 2007.