العتبة الانتخابية تنفس أزمة الحكم في تونس أم تعقدها

قسم مشروع قانون تعديل النظام الانتخابي الأحزاب التونسية حيث أثارت الدعوة إلى إقرار العتبة الانتخابية الجدل داخل البرلمان، وفيما تدافع أحزاب الائتلاف الحاكم (حزبا النهضة والنداء) عن إقرار العتبة الانتخابية وترى أنها تحمي المشهد السياسي من التشتت وتقلص من ظاهرة السياحة الحزبية والتحالفات الظرفية التي عقدت أزمة الحكم في البلاد، تؤكد المعارضة أنها خطوة لإقصاءها وتهدد بضرب التعددية وتضييق الخناق على المستقلين.
تونس - فتح مشروع قانون لتعديل النظام الانتخابي في تونس يدعو إلى اعتماد العتبة الانتخابية الباب لخلافات وانقسامات جديدة بين الأحزاب التونسية، ما يؤكد عمق الصراع والتنافس في مشهد سياسي يزداد سخونة مع اقتراب السباق الرئاسي والتشريعي.
ويناقش برلمان تونس في جلسة عامة تنقيح قانون الاستفتاء والانتخابات ومن ضمنه أساسا إقرار “العتبة الانتخابية”، ما يعني ضرورة جمع حد أدنى لا يقل عن خمسة بالمئة من الأصوات في الانتخابات للحصول على تمثيل داخل البرلمان.
وإلى حدود جلسة الأربعاء لم يتوصل البرلمان إلى حل بخصوص تحديد سقف العتبة الانتخابية والحاصل الانتخابي للانتخابات التشريعية المقبلة، وهما نقطتا الخلاف بين الأحزاب.
وأوضح النائب حسونة الناصفي رئيس كتلة الحرة لحركة مشروع تونس، في تصريح لوسائل إعلام محلية، أن الآراء تتجه في جلسة التوافقات نحو الإبقاء على العتبة الانتخابية في حدود 3 بالمئة، مثلما تم العمل به في الانتخابات السابقة.
منظومة الحكم تريد إيهام التونسيين بأن الفشل في الحكم سببه النظام الانتخابي في حين أن الفشل هو نتيجة اختياراتها الخاطئة
ومنذ اقتراح الحكومة إقرار عتبة انتخابية عبرت أحزاب معارضة عن رفضها الترفيع إلى 5 بالمئة واعتبرت أن تعديل القانون الانتخابي في هذا الاتجاه ينطوي على إرادة من الحكومة والأحزاب المهيمنة على غرار نداء تونس وحركة النهضة لإقصاء الأحزاب الصغرى وحرمانها من التمثيلية في البرلمان.
وينص مشروع القانون الذي اقترحه الرئيس الباجي قائد السبسي، وأحاله على البرلمان، على وضع عتبة أو سقف للأصوات المتحصل عليها مقابل مقعد في السلطة التشريعية يقدر بخمسة بالمئة.
وتبين مسودة القانون أنه “لا تحتسب الأوراق البيضاء والأصوات الراجعة للقائمات التي تحصلت على أقل من 5 بالمئة من الأصوات المصرح بها على مستوى الدائرة في احتساب الحاصل الانتخابي، كما لا تدخل في توزيع المقاعد القائمات المرشحة التي تحصلت على أقل من 5 بالمئة من الأصوات المصرح بها على مستوى الدائرة”.
إقصاء المعارضة

وعمليا سيعزز هذا الإجراء من فرص الأحزاب الكبرى في نيل أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية المقبلة، عكس النتائج التي أفرزتها الانتخابات البلدية في مايو الماضي والتي مكنت المستقلين من الفوز بأكبر عدد من المقاعد. وتهدد هذه الخطوة بتضييق فرص الأحزاب الصغرى والسياسيين المستقلين للحصول على مقاعد في البرلمان لصعوبة جمعهم خمسة بالمئة من أصوات الناخبين.
تبعا لذلك تتوجس المعارضة من ضرب التعددية عبر إقرار عتبة انتخابية قبل انتخابات 2019، وتشكك في نوايا الحكومة خاصة وأن توقيت تعديل النظام الانتخابي يتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة العام الجاري، وترى في هذا التعديل محاولة من الأحزاب الحاكمة للاستئثار بمستقبل الحكم بإقصاء خصومهم وللجم صوت المعارضة.
وأعربت الجبهة الشعبية (أكبر تكتل يساري) وأحزاب أخرى عن معارضتها لإقرار العتبة الانتخابية قبل انتخابات هذا العام، ما قد يعزز، بحسب المنتقدين لهذه الخطوة، بشكل أكبر فرص الأحزاب الكبرى دون غيرها، وبالتالي قطع الطريق أمام الأحزاب المعارضة والأحزاب الصغيرة.
ويوجد في تونس أكثر من 216 حزبا سياسيا حوالي 10 بالمئة منها فقط ممثلة في البرلمان. وأوضحت الجبهة في بيان لها “أنها ترفض المساس بمسار الانتقال الديمقراطي وتغيير قواعد الانتخابات قبل ثمانية أشهر من موعد الانتخابات وتكريس سلطة الأغلبية الحاكمة”.
وبجانب الجبهة ترفض الكتلة الديمقراطية المعارضة وسياسيون مستقلون ورجال قانون ومنظمات من المجتمع المدني تعديل القانون الانتخابي.
ويجمع معارضو العتبة الانتخابية على تهديها للمسار الديمقراطي وتغييبها للتنوع الحزبي، إذ ستزيد الأحزاب الحاكمة، أي النهضة صاحبة أكبر تمثيل برلماني، قوة فيما ستزيد الأحزاب المعارضة ضعفا بما أنها ستحرمها من التمثيلية داخل مجلس نواب الشعب.

ويشير زهير المغزاوي نائب رئيس حزب حركة الشعب (حزب يساري) لـ”العرب” إلى أن “منظومة الحكم تريد إيهام التونسيين بأن الفشل في الحكم سببه النظام الانتخابي في حين أن الفشل هو نتيجة اختياراتها الخاطئة”. ويعتقد المغزاوي أن قانون العتبة الانتخابية اعتباطي ليس له أي مبرر ولن يقاوم التشتت كما تقول الحكومة. ويضيف “هي ليست أزمة تشتت بقدر ما هي أزمة حكم تسببت فيها الأحزاب الفائزة في انتخابات 2014”.
وترى المعارضة أن الائتلاف الحاكم يريد تجميل صورته أمام الرأي العام مع اقتراب الانتخابات ويحاول النأي بنفسه من تهم الفشل في إدارته للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بالبلاد.
ويقول زهير حمدي القيادي بالجبهة الشعبية لـ”العرب” إن “الائتلاف الحاكم يحاول دائما أن يجد مبررا لفشله مرة في النظام السياسي ومرة في النظام الانتخابي، في حين أن الفشل ينبع من سياساته”. ولا يرى حمدي جدوى من تعديل النظام الانتخابي حيث يتلاءم النظام الحالي مع طبيعة المرحلة الانتقالية التي تعيشها تونس ويعطي المجال للتنوع وعدم انفراد طرف بعينه في الحكم. ويشير إلى أن المعارضة التي استطاعت أن تجد لها موطئ قدم في البرلمان باتت تزعج الحكومة، ما جعلها تسعى إلى التضييق عليها لمنعها من أن تكون صاحبة تمثيل جيد في البرلمان عبر الترفيع في هذه العتبة.
وتابع بقوله “الهدف أن تكون الأغلبية القادمة، وخاصة اليمين، مهيمنة على البرلمان”. ويدفع قانون العتبة الانتخابية في حال إقراره أحزاب المعارضة إلى البحث عن تحالفات جديدة في الانتخابات لمواجهة الأحزاب الحاكمة وللتمتع بحظوظ فوز أكبر. ويقر زهير حمدي أن الجبهة الشعبية أمام تحد جديد ومطالبة بأن تكون أكثر وحدة وبذل المزيد من الجهد لإقناع الرأي العام بمشروعها بأنه بديل ناجع يستحق منحه فرصة الحكم.
وتعيش الجبهة الشعبية على وقع أزمة داخلية حادة يرجح أنها ستزيد في تقهقرها، خاصة مع تزايد وتيرة الخلافات بين أبرز مكوناتها اليسارية وبالتحديد حزب العمال وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد الذي ينحدر منه المعارض الراحل شكري بلعيد، الأمر الذي يهدد بتراجع قاعدتها الانتخابية.
وسبق أن أوضح حمة الهمامي الزعيم اليساري أن السبل التي ستنتهجها الجبهة في الفترة القادمة هي التكاتف مع قوى مدنية وأهلية ونقابية وسياسية لممارسة المزيد من الضغط على الحكومة، لافتا إلى أن “موقف الجبهة الشعبية المبدئي، وحتى اللحظة الراهنة، هو المشاركة بشكل مستقل في كل من الانتخابات التشريعية والرئاسية”.
ويتسق رأي الهمامي مع رأي زهير حمدي الذي استبعد دخول الجبهة في تحالفات وقوائم مشتركة للانتخابات القادمة حيث ستكتفي بقوائمها المستقلة.
نقائص النظام الانتخابي

تبرر الكتل الداعمة للتعديل، وهي أساسا كتلة حركة “النهضة الإسلامية” و”الائتلاف الوطني” المؤيدان للحكومة، إقرارها “للعتبة الانتخابية” كونها ستسمح بوضوح المشهد السياسي في البرلمان وأغلبية قادرة على الحكم، نظرا لعدم وجود أي كتلة برلمانية حاصلة على الأغلبية المطلوبة لتمرير القوانين (109 أصوات)، نتيجة نظام الاقتراع على أكبر البقايا، وفق ما ورد في وثيقة شرح الأسباب التي أرفقتها رئاسة الجمهورية.
ويرى مؤيدو العتبة أن النظام الانتخابي الحالي معقد وبحاجة إلى مراجعة. ويعتقد أنصار العتبة الانتخابية أن إقرار هذا الإجراء سيساهم في تنظيم الحياة الحزبية المتسمة بالتشتت، في خضم أزمة حكم أصبحت أكثر استعصاء مع تصدع حزب نداء تونس الحاكم منذ أن تعمق الخلاف بين الشاهد والمدير التنفيذي لحزب نداء تونس، حافظ قائد السبسي.
وقاد الخلاف إلى فتور العلاقة بين قصر الحكومة وقصر الرئاسة وزادت حدة الأزمة السياسية مع تهاوي التحالف بين النداء والنهضة على خلفية دعم الحزب الإسلامي لرئيس الوزراء وتأسيس الأخير لحزب جديد لخوض السباق الانتخابي.
وعبر منجي الحرباوي النائب عن حركة نداء تونس عن تأييده لعتبة انتخابية. وقال الحرباوي لـ”العرب”، “أؤيد إقرار العتبة الانتخابية لكن عتبة معقولة تهدف إلى التحسين وليس من أجل الإقصاء.. عتبة تطور القانون الانتخابي”.
رغبة الأحزاب الحاكمة ليست في تعديل النظام الانتخابي بقدر ما هي في الحفاظ على نفوذها مع تشكيل المشهد السياسي الجديد من خلال تغيير قواعد اللعبة الانتخابية
وأشار إلى أن “هناك بعض النقائص والتعديلات التي يجب إدخالها على النظام الانتخابي من أجل تطوير القانون حتى يستجيب للروح الأساسية للانتخاب الديمقراطي.. وهي إفراز أغلبيات تحقق الاستقرار والأهم والاستمرار”.
ويفسر عبدالحميد الجلاصي القيادي بحركة النهضة لـ”العرب” دوافع الخلافات الحزبية حول العتبة، حيث أن المشهد السياسي أمام مقاربتين؛ الأولى تبحث عن النجاعة من خلال إفراز كتل وازنة بإمكانها الحكم سواء من خلال التشريع والرقابة في مجلس النواب أو من خلال إفراز حكومة ذات سند قوي. والثانية تعتبر أن المرحلة الانتقالية لم تكتمل بعد وأننا لا نزال بحاجة إلى التشاركية والإدماج، فاحتواء الصوت المعارض داخل المؤسسات يدفعه إلى العقلانية والنضج بعكس إخراجه من المؤسسات ما قد يدفعه إلى العرقلة في مرحلة تتطلب إصلاحات وتضحيات كبرى.
ورغم فوائد العتبة إلا أن الجلاصي يرجح حاجة البلاد إلى الإدماج. ويشير إلى أن الإشكال خلال السنوات الأربع الماضية لم يكن في غياب الأغلبيات وإنما كان في عدم تحمل الأحزاب المتحالفة لمسؤولياتها.
ويرجح مراقبون أن رغبة الأحزاب الحاكمة ليست في تعديل النظام الانتخابي بقدر ما هي في الحفاظ على نفوذها مع تشكيل المشهد السياسي الجديد من خلال تغيير قواعد اللعبة الانتخابية.
ويلفت صادق بلعيد أستاذ القانون الدستوري لـ”العرب” إلى أن “الظروف الحالية التي تعيشها تونس لا تسمح بهذا التعديل”. وتابع بقوله “في التقاليد الديمقراطية تتجنب الأحزاب الحاكمة تغيير اللعبة الانتخابية ما دامت مازلت في الحكم حتى لا تبدو أنها تريد حكومة على مقاسها، وهو ما يجب على الحكومة الانتباه إليه”.
وفي الوقت الذي تتسابق فيه الأحزاب على الفوز بالرئاسة وبأغلب مقاعد البرلمان، تغافلت الطبقة السياسية عن أن الشارع الذي تريد استمالته في حالة عزوف ولم تعد تغريه البرامج والوعود الانتخابية، وأن المعركة على السلطة تفقد السياسيين يوما بعد يوم رصيدهم الشعبي. وأردف بلعيد “لا أجد مصلحة في هذا التعديل في حين أن أغلب التونسيين ضجروا من المزايدات السياسية”.