تقبّل الشيء ونقيضه

منذ فترة قررت أنا وزوجي تغيير المطبخ، فانتابتني العديد من الهواجس، وأكثر ما كان يشغل بالي، هو كيف سنراكم أمتعتنا على بعضها البعض، وكيف سنتدبر أمر أكلنا وشربنا؟ بدا الأمر بالنسبة لي في البداية معضلة كبرى، لأنني لم أعش سابقا هذه التجربة، ولم أعتد على الأشغال في عقر الدار التي نقطنها.
إلا أن زوجي طلب مني أن نهدأ ولا نتذمر، ولا نرهق أعصابنا، أو نتجادل بشأن ظرف زمني نحن قادرون على تجاوزه مهما كان صعبا.
رغم أنني في البداية كنت أفكر بصوت عال وأدلي بالكثير من الملاحظات التي تنطوي في أغلبها على مخاوف من هذا الأمر، إلا أنني بمجرد أن سمعت ما قاله زوجي، أدركت أنه محق ولا يجب المبالغة في الشعور بالقلق، الذي يمكن أن يؤثر على صفائنا الذهني ويعكر مزاجنا، وقد تكون له مخلفات على حالتنا النفسية وصحتنا الجسدية.
ولوهلة من الزمن استحضرت الطريقة التي كان يعيش بها أجدادي، والشكل البسيط للحياة، فراودني اعتقاد بأنه بوسعنا أن نتوقف وننظر حولنا ونتقبل الأشياء التي لا نبدي لها التقدير عادة على شاكلتها، مثل مسألة الاستغناء عن الفرن والطباخ، وحتى المطبخ بأكمله.
فتهويل بعض الأمور وإعطائها حجما أكبر من حجمها الحقيقي، قد يجعلنا نعيش في دوامة من التوتر ويفقدنا القدرة على السيطرة على مجرى حياتنا ويراكم علينا الهموم، وليس ذلك من الحصافة، فهو لا يؤدي إلى أي نتيجة، بل على العكس ينغص علينا حياتنا ويدمر علاقاتنا مع المقربين منا.
ويبدو عالم الفيزياء البريطاني الراحل ستيفن هوكينغ محقا في قوله “لن يتحمل الناس التعامل معك طويلا، لو استمريت في الشكوى وإظهار امتعاضك وغضبك”.
تكمن المشكلة بالنسبة للكثيرين، في كيفية تحييد ضغوط الأحداث اليومية في حياتهم، والتي تجعلهم يطلقون ألسنتهم للشكوى والتذمر، مما لا يتيح المجال لعلاقتهم لأن تظل متماسكة، رغم أن الحل قد يبدو أحينا بسيطا، فيكفي أن نتعلم كيف نواظب على عادات وأنظمة معينة خلال الظروف الطارئة ونتغاضى عن بعض الأشياء التي نعتقد أنها ضرورية، ومع الوقت سيصبح الأمر اعتياديا.
وهكذا فعلت، فقد استبقت حدث أشغال المطبخ وجهزت بعض الأطعمة ووضعتها في الثلاجة، واشتريت طباخا كهربائيا لإعداد القهوة وبعض الأكلات البسيطة، وأبقيت الأشياء التي نستعملها يوميا في أمكنة معينة، كما اقترح عليّ زوجي فكرة أن نتناول الطعام في أطباق بلاستيكية، حتى لا نجد صعوبة في غسل الأواني، فجرت الأمور من دون مشاكل، بل على العكس أتيحت لنا الفرصة لتجربة نمط عيش مختلف عما اعتدنا عليه، ورغم صعوبته إلا أن فيه نكهة مجدية.
وهذا في حد ذاته تدريب على المرونة الوجدانية والفكرية المطلوبة عند مواجهة الظروف الصعبة، كما أن التجارب الصعبة تكسب من يعايشها ويمر بها ثراء في الفكر وقدرة على التأقلم مع أوضاع الحياة المختلفة.
وينصحنا الخبراء لاكتساب هذه المرونة بالحديث إلى الأغراب وتدريب العين على استيعاب الأشياء غير المألوفة، والإصغاء للأفكار المضادة لقناعاتنا، والأهم من ذلك تقبل فكرة وجود عناصر وعوامل لا يمكننا السيطرة عليها، ولكن بإمكاننا مجاراتها وتعلم الدروس والعبر منها.
وتبقى الحقيقة المؤكدة أن كل ظرف زمني في الحياة زائل وعابر، فدوام الحال من المحال، حكمة مثل هذه لا يجدر أن تسقط من أذهاننا أبدا.