خلافات النهضة: تنفيس للأزمة المتفاقمة أم صدامات حقيقية

زيتون يرفض دعم حركة النهضة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد وفك ارتباطها بحركة نداء تونس.
الخميس 2019/02/14
النهضة في مأزق

تونس - تثير خلافات حركة النهضة الإسلامية التي طفت على سطح الأحداث في تونس، تساؤلات ما إذا كانت نتيجة صدامات حقيقية بين أجنحة الحركة، أم أنها محاولة للتنفيس عنها خاصة وأنها تتزامن مع أزمات تشهدها في مقدمتها الاتهامات بإدارة جهاز سري والجدل المتفاقم بشأن دور لها في انتشار مدارس قرآنية أشبه بالمعسكرات، تلقن الأطفال العنف والتطرف.

وحركت تصريحات لطفي زيتون مياها راكدة في خلافات الحركة عندما أعلن أنه لم يعد مقتنعا بمصطلح الإسلام الديمقراطي لوجود نوع من ”توريط الدّين في الصراع السياسي”، مؤكّدا أنّ الحركة مطالبة بالتطور إلى حزب محافظ يعتمد على البرامج.

ورجّح في تصريحات صحافية محلية إمكانية تشكيل تيار أو حزب وطني، مضيفا أنه سيغادر حركة النهضة عندما يُمنع من التعبير عن رأيه “لكنني إلى اليوم شخصية محترمة في الحركة رغم المضايقات الهامشية”.

ولم تفاجئ هذه التصريحات المتابعين الذين اعتادوا على تغريد زيتون خارج سرب الحركة. لكن الجديد هو ما حملته تلك التصريحات من إحباط بشأن إمكانية إجراء إصلاحات داخل الحركة.

ويحسب زيتون القيادي البارز ذي الثقل الكبير في الحركة على “الحمائم”، ولعب دورا مهما في تجميل النهضة وتلميع صورتها وتحقيق التطبيع معها في المجتمع التونسي.

ولم يتردد زيتون في أكثر من مناسبة في الإعلان عن مواقفه “الدخيلة عن الحركة” والتي أغضبت زملاءه، لاسيما المحسوبين على “الصقور” على غرار موقفه من المثلية الجنسية ومن مشروع قانون المساواة في الإرث، حيث جاهر بوضوح بأنّ “المساواة هو موضوع عالمي والإسلام أعطى للمرأة الحدّ الأدنى وذلك لا يعني أن نرفض منحها حقها”.

ومبادرة المساواة في الإرث، أطلقها الرئيس الباجي قائد السبسي ومن المنتظر عرضها على البرلمان قريبا. وقوبل هذا الموقف بانتقادات لاذعة من قبل “الصقور”، أمثال محمد بن سالم وعبدالحميد الجلاصي وكانت مواقفهما بمثابة التحريض ضد الرجل الذي تعرض لحملة إعلامية مشوهة على صفحات التواصل الاجتماعي بما فيها تلك المحسوبة على الحركة.

كان زيتون أكثر المرحبين بقرار النهضة فصل الدعوي عن السياسي في 2016. حينئذ قال إن “النهضة تقوم برحلة من اليمين إلى الوسط وهناك بعض الاختلاف حول سرعة الرحلة ونوع الرحلة نفسها”.

ويرفض زيتون دعم حركة النهضة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد وفك ارتباطها بحركة نداء تونس وهو ما أعلن عنه الرئيس السبسي في شهر سبتمبر الماضي. وفي تدوينة على صفحته الشخصية بموقع فيسبوك نشرها مطلع فبراير الحالي قال زيتون “للذين ضربوا التوافق الوطني ويتباكون اليوم خوفا من بوادر التحارب الأهلي وعودة الصراع الهووي: كفى نفاقا وتحملوا مسؤوليتكم. لن تغفر لكم تونس”، في إشارة للتيار الذي دعم الشاهد على حساب نداء تونس.

وعقب انتخابات 2014 تحالف حزبا نداء تونس والنهضة في إطار ما عرف بـ”التوافق الوطني”. لكن الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد منتصف العام الماضي أفضت إلى فك ذلك التحالف.

Thumbnail

وطالب نداء تونس واتحاد الشغل هو (أكبر منظمة نقابية في البلاد) حينئذ بإقالة يوسف الشاهد وحكومته وهو ما قوبل برفض من طرف حركة النهضة. وأمام تمسك كل الأطراف بمواقفها جمّد حزب نداء تونس عضوية يوسف الشاهد، ليطالب السبسي في ما بعد بتجديد الثقة في الحكومة من البرلمان. وفي الأثناء شكّل الشاهد كتلة موالية له داخل البرلمان يتكون أغلبها من نواب نداء تونس المستقيلين، لتصبح اليوم الكتلة الثانية بعد كتلة حركة النهضة.

وفي نهاية يناير أعلن نواب الكتلة عن تشكيل حزب حمل اسم “تحيا تونس”. واتهمت قيادات في حزب نداء تونس حركة النهضة بالوقوف وراء المشروع السياسي الجديد بهدف تشتيت العائلة الحداثية.

وكان عبدالعزيز القطي القيادي في حركة نداء تونس اتهم “عائلة الغنوشي بمن فيهم ابنه معاذ وصهره رفيق عبدالسلام هما مهندسا مشروع يوسف الشاهد تحضيرا للانتخابات القادمة”.

وتزايدت الضغوطات بشكل كبير على الحركة خاصة بعد كشف الجبهة الشعبية (تحالف أحزاب يسارية) عن ملف الجهاز السري للحركة المرتبط باغتيال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي سنة 2013.

وأعلن الأسبوع الماضي العشرات من المحامين التونسيين تشكيل حراك “محامون ضد التمكين الإخواني في تونس”، ليتولى رفع قضايا ضد حركة النهضة على خلفية سعيها لاختراق أجهزة الدولة والسيطرة على جميع مفاصلها، ومحاولاتها تغيير النمط المجتمعي للتونسيين، وكذلك تورطها في تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر وساحات القتال مقابل دعم مالي وسياسي وإعلامي خارجي.

وجاء في البيان التأسيسي أن هذه المجموعة، ستبدأ إجراءات مواجهة التمكين الإخواني في تونس عبر حركة النهضة، وستقوم بقضايا جزائية وإدارية ضد المستفيدين من الانتدابات والتعيينات والترقيات في الخطط الوظيفية الإدارية والسياسية المخالفة للإجراءات القانونية والنصوص الترتيبية التي تمت بجميع المؤسسات العمومية.

وجاء الكشف عن مدرسة قرآنية، أشبه بمعسكر يلقن الأطفال العنف والتطرف في منطقة الرقاب وسط البلاد، ليزيد من تلك الضغوط، وهو ما يعمق التوقعات بأن تكون تصريحات زيتون تهدف لتخفيف الضغط على الحركة وإبرازها كحركة تضم أصواتا مدنية وإصلاحية في إطار توزيع الأدوار وازدواجية الخطاب.

4