مشهد متباين لمستقبل الصحافة بقيادة الذكاء الاصطناعي

أتمتة القطاع الإعلامي أمر حتمي في المستقبل القريب لكن خبراء الإعلام يختلفون حول قدرة الذكاء الاصطناعي على أن يحل مكان الصحافي فهو غير قادر على التفاعل الحي والمباشر مع القراء، أو جمع المعلومات من المصادر، وحتى مسألة الدقة والموضوعية ما زال الخلاف قائما حول قدرة الذكاء على ضمانهما.
دبي - توقع ناثانيل بارلينغ الشريك المؤسس ورئيس تحرير شبكة “نو وير” الإخبارية، أن تؤدي أنظمة الذكاء الاصطناعي دور المحرر في صياغة معظم الأخبار اليومية خلال السنوات الخمس المقبلة، مشيرا إلى أن هذه الأنظمة ستخفض تكاليف إنتاج المحتوى الإعلامي وترفع نسبة انتشار الأخبار ذات الجودة والقيمة العالية.
ولفت في جلسة “إعلام المستقبل بين التكنولوجيا والبشر” ضمن فعاليات القمة العالمية للحكومات في دبي، إلى أن الصحافة والإعلام يحركان العالم وهما القطاعان الأكثر تطورا تقنيا بعد الطب في العالم، فالأخبار تحدد أولويات الحوار والنقاش العام وتصقل الانطباعات على مستوى العالم وتحدد ما المشاكل التي يجب التركيز عليها.
وأوضح أن أتمتة القطاع الإعلامي أمر حتمي في المستقبل، ولا بد من الاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي لتصل وسائل الإعلام إلى طرح يتسم بالدقة وعمق التحليل ويبتعد عن التحيز، خصوصا أن الجمهور يتطلع إلى الحصول على معلومات موثوقة.
وفقدت الصحف السيطرة على مسك زمام الأمور في ظل وجود الشبكات الاجتماعية. وأصبحت أمام تحد جذب انتباه القارئ لاعتماد الأخير حاليا على شبكات التواصل الاجتماعي في قراءة الخبر، وفقا لبارلينغ، مضيفا أن الذكاء الاصطناعي أصبح يقدم مواد صحافية أكثر موضوعية من البشر.
وأكد أن أتمتة الإعلام أصبحت واقعا لا يتجزأ عن العالم المعاصر. موضحا أن تدفق المعلومات الكبير لا يتيح للصحافيين تحليل المعلومات، على عكس ما كان يعيشه الصحافيون منذ 30 عاما، حيث كانوا يستيقظون لتحديد أولويات العمل والبحث عن الأخبار. وأشار إلى أنه بفضل الإنترنت أصبح كل إنسان قادرا على إيصال صوته عبر المنصات كافة، مما أدى إلى فقدان الصحف الورقية لسيطرتها.
وقال بارلينغ “إن الاستعانة بالذكاء الاصطناعي تخفض تكلفة الإنتاج في غرف الأخبار”، مشددا على ضرورة التحول من التركيز على المادي إلى التركيز على التحليل النقدي البديل، معتبرا أن الذكاء الاصطناعي هو الميسر الحقيقي لحياتنا، إذ أن هذا التحول سيفتح الأبواب نحو عصر ذهبي جديد لعالم الصحافة، من خلال قدرته على تحليل البيانات ومراجعة وتدقيق الآلاف من مصادر المعلومات، والتصدي للأخبار الكاذبة والملفقة. فذكاء الآلة قادر على التحقق من الوقائع، ويحدد أولويات العمل وتحرير القواعد وترجمة القصص الإخبارية إلى لغات أخرى.
لكنه أكد في ذات الوقت أن “الإشراف البشري ضروري في استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام ولا يمكن الاستغناء عنه”. وأوضح أن انخفاض تكلفة الإنتاج ليس المنفعة الوحيدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي بل سيجعل معظم الأخبار أكثر ثقة ويستطيع الصحافيون العمل بشكل أكثر مهنية.
وتباينت آراء المشاركين في جلسات محور “الأخبار والاتجاهات العالمية” حول مستقبل الذكاء الاصطناعي رغم التسليم بدوره في رسم المشهد الإعلامي من خلال قدرته على تجميع وتحليل كم هائل من المعلومات وتحري الدقة والموضوعية والابتعاد عن التحيز في تناول الأخبار.
وخلص المشاركون إلى أن الذكاء الاصطناعي يلعب دورا مساعدا في تطور المشهد الإعلامي من خلال منح الإعلاميين سرعة أكبر في البحث والتدقيق بما يمكنهم من القيام بوظيفتهم بشكل أفضل، إلا أن الطريق لا يزال طويلا قبل أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في المجال الإعلامي.
وقال ماثيو ويكلز، رئيس تحرير بلومبيرغ، خلال جلسة “في سباق الأخبار الفيروسية ما مصير التكنولوجيا”، إن الذكاء الاصطناعي سيساعد الإعلاميين في أداء وظائفهم على نحو أفضل، مستبعدا كذلك أن يحل محل البشر في العمل الإعلامي خلال السنوات المقبلة.
بدورها أكدت مينا العريبي، رئيسة تحرير صحيفة “ذا ناشيونال” أن أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي تستخدم بالفعل في العديد من المؤسسات الإعلامية من أجل تسهيل العمل، مشيرة إلى أن الانحياز الإعلامي تجاه اعتماد التكنولوجيا ينقسم إلى نوعين، أولهما انحياز دون وعي، وثانيهما الانحياز المعتمد على السياسات التحريرية والتوجهات السياسية لكل وسيلة إعلامية، فضلا عن عدم قدرة الذكاء الاصطناعي على التفاعل الحي والمباشر مع القراء، ناهيك عن جمع المعلومات من المصادر، وهو جهد بشري بامتياز.
من جهته اعتبر جيرارد بيكر رئيس تحرير “وول ستريت جورنال” أن نتائج البحث على محركات البحث الشهيرة والتي تؤكد استخدام خوارزميات تضمن الموضوعية دائما ما تكون خاضعة لمعايير ومدخلات ومخرجات معينة، لذا لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يمدنا بالحقيقة الكاملة أو المطلقة أو الموضوعية.
وخلال اليوم الثاني للقمة تمت مناقشة الفرص والتحديات الراهنة في قطاع الإعلام في ضوء الارتباط الوثيق الحاصل بين تكنولوجيا الاتصالات وعملية التواصل ودورهما في صياغة مستقبل أكثر أمنا يضمن سهولة نشر واستقبال المعلومات ويحد من المخاطر المرتبطة بها.
وقال يارسلو كروليوسكي الرئيس التنفيذي، لشركة “ساين رايز”، الذي يعد من كبار خبراء الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، إن منظومات الذكاء الاصطناعي سوف تحقق انتشارا كبيرا خلال الأعوام القليلة القادمة وفي كافة المجالات، معتبرا أن هذه التقنيات المتطورة سوف تسهم في خلق مناخ أكثر شفافية ومصداقية ما سيضع حدا للانتشار الكبير للأخبار الكاذبة.
خلال جلسة تناولت المشهد الحالي من وجهة نظر ثنائية تبحث في إيجابيات وسلبيات العلاقة المعقدة بين الجيل الحديث من التقنيات وآليات العمل الإعلامي، اعترف كروليوسكي بأن التكنولوجيا الحديثة يمكن استخدامها في خداع الناس، إلا أن ذلك لا ينفي إسهامها الكبير في خدمة البشر وتسهيل العديد من جوانب حياتهم، مشددا على أن المشهد الحالي يتطلب تأسيس كيانات دولية لتنظيم قطاع الذكاء الاصطناعي، لاسيما في ظل انتشار نظريات غير مؤكدة حول قيام أفراد وجهات غير معلومة بنشر معلومات كاذبة بين الجمهور باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بهدف تغيير وإعادة تشكيل اتجاهات الرأي العام بما يشمل نتائج التصويت.