صراع إرادات داخل حكومة الرزاز يضعف قدرتها على مواجهة مطالب الشارع

يواجه رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز تحديين: استعادة ثقة الشارع التي اهتزت بفعل التعيينات الأخيرة، وكيفية استيعاب ما يعتبره قوى محافظة تعمل ضده وتحاول النيل من تجربته الأولى في رئاسة الحكومة.
عمّان – عاد شبح الاحتجاجات ليخيم على الدوار الرابع حيث مقر الحكومة الأردنية، وسط العاصمة عمّان، في ظل انحدار منسوب الثقة بين حكومة عمر الرزاز والشارع، خاصة بعد التعيينات الأخيرة التي طالت مناصب قيادية في الدولة كان النصيب الأكبر منها لصالح أشقاء أعضاء في مجلس النواب.
ونظم مساء الخميس العشرات من المواطنين مسيرة احتجاجية في ساحة مستشفى الأردن، بعد أن أغلقت القوات الأمنية المداخل المؤدية للدوار الرابع، مع استقدامها لتعزيزات في المنطقة. وتزامنت الاحتجاجات مع عودة الحملات لنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي كانت أحد عناوينها الرئيسية “طفي الضو” في انتقاد للارتفاع المستمر لقيمة فواتير الكهرباء.
وكادت المظاهر الاحتجاجية التي طبعت شهر ديسمبر الماضي أن تتلاشى بفضل العملية الاتصالية الناجحة التي قادها الرزاز بنفسه من خلال عقده لسلسلة لقاءات مع قيادات شبابية بينهم رموز في الحراك الشعبي في عدد من محافظات المملكة، وترافقت مع حركة دبلوماسية خارجية نشطة ركزت على الإقليم وكان عنوانها الأساسي البحث عن دعم لوقف النزيف الاقتصادي.
ويشير مراقبون إلى أن إقرار العفو العام الثاني منذ العام 2011 والذي تم بموجبه إطلاق سراح المئات من المحكومين في قضايا مختلفة بينها قضايا رأي ساهمت أيضا في تراجع الحراك خلال الأسابيع الماضية قبل أن تعود هذا الأسبوع بعد قرار تعيين 4 أشقاء لنواب، والذي أدى على ما يبدو إلى تصدع جدار الثقة الذي حرص الرزاز على تقويته طيلة الأسابيع الماضية.
ويستشعر الرزاز خيبة أمل على ضوء رؤيته لجهوده تنهار، على ضوء تلك التعيينات التي حمل ضمنيا مسؤوليتها إلى اللجنة التي كلفت بها وترأسها نائبه رجائي المعشر، رغم أن رئيس الوزراء أقر بتحمله لجزء من المسؤولية بالنظر لموقعه، خلال جلسة لمجلس النواب الأربعاء.
وتهمس أوساط سياسية بأن الرزاز يرى أن ما حصل كان أقرب لمكيدة، الهدف منها هو استنزافه شعبيا وأيضا ضرب الثقة التي منحها إياه الملك عبدالله الثاني، حينما قرر تجاوز الطبقة السياسية التقليدية واختاره لمنصب رئاسة الحكومة خلفا لهاني الملقي الذي تمت إقالته في يونيو الماضي على خلفية احتجاجات شعبية غير مسبوقة ضمت فعاليات نقابية واقتصادية وحضورا لافتا من الطبقة المتوسطة التي تتهم حكومة الملقي والحكومات التي سبقتها بإضعاف قدرتها الشرائية من خلال الزيادات الضريبية.
وبدا العاهل الأردني مستاء بشكل واضح خلال اللقاء الطارئ الذي عقده مع مجلس الوزراء الثلاثاء مطالبا بإعادة النظر فورا في تلك التعيينات، وهذه المرة الأولى التي يظهر فيها الملك عبدالله علنا غضبا من قرارات الحكومة، ففي السابق كان يحرص على إبداء الدعم في مواجهة الانتقادات التي تتعرض لها سواء من مجلس النواب أو من نشطاء.
ويرى مراقبون أن الرزاز يواجه تحديين أولهما هو استعادة ثقة الشارع التي تضررت بفعل خطوة التعيينات وثانيهما وربما الأصعب كيفية التعاطي مع ما يعتبره مساعي البعض من القوى المحافظة من داخل الحكومة يتصدرهم نائبه ورئيس الفريق الاقتصادي رجائي المعشر القادم من مجلس الأعيان في وضع عراقيل أمام تجربته الأولى في رئاسة الوزراء بهدف إفشالها.
ومعلوم أن الرزاز والمعشر قادمان من مدرستين فكريتين مختلفتين فالأول ينتمي إلى التيار المدني ويأمل في أن يؤسس لنهج حكومي جديد يقطع مع القديم، فيما الثاني هو من المدرسة المحافظة، ويملك تجربة ثرية في مؤسسات الحكم في المملكة، حتى أن البعض لا يتوانى عن اعتبار أنه أحد أبرز رموز الحرس القديم.
وهذه ليست المرة الأولى التي يكون فيها المعشر نائبا لرئيس الوزراء، فقد شغل المنصب في حكومة سمير الرفاعي في عام 2010 التي أسقطتها احتجاجات “الربيع العربي” في عمّان والمحافظات عام 2012، ويقال إن المعشر كان رافضا للمشاركة في تلك الوزارة، لكنه قبل القيام بذلك الدور إكراما لمعلمه الكبير زيد الرفاعي، الذي كان يدير الترتيبات من وراء الستارة، من أجل نجاح نجله الذي كان يخوض غمار تجربته الأولى في تولي رئاسة الوزراء.
وتقول أوساط سياسية إن تعيين المعشر نائبا للرزاز كان الهدف منه خلق حالة من التوازن داخل الحكومة على غرار الدور الذي سبق ولعبه هذا المسؤول المخضرم الذي يحظى بثقة واسعة من الدولة العميقة، بيد أن الكيمياء بين الطرفين على ضوء التنافر الفكري بينهما مفقودة، وتعرضت العلاقة بينهما منذ تشكيل الحكومة لهزات حتى أن المعشر هدد في أكثر من مناسبة بالاستقاله.
وكان أول صدام بين الطرفين حينما أبدى الرزاز تحفظات بشأن مشروع قانون الضريبة على الدخل الذي أشرف رجائي المعشر بنفسه على وضع اللمسات عليه، وكان المشروع نسخة معدلة عن المشروع السابق الذي تسبب في الإطاحة بالملقي.
ووقف المعشر ضد توجه حكومي لصياغة مشروع قانون يفرض تخفيض رواتب النواب والوزراء ورؤساء الهيئات، ما أدى إلى طي هذا الملف، الذي كان يمكن أن يكون أحد الإنجازات التي تحسب لعمر الرزاز.
وتقول الأوساط السياسية إن الصراع بين القطبين مرشح أن يتصاعد، الأمر الذي سينعكس سلبا على أداء الحكومة في التعاطي مع التحديات التي تواجهها المملكة.
للمزيد اقرأ:
الأردن و"النقد الدولي" يتفقان على إصلاح اقتصادي قبيل مؤتمر لندن