سعي فرنسي لاستصدار قرار أممي لمكافحة تمويل الإرهاب

تعمل الدول الغربية على وضع آليات صارمة في تعقب تمويل الحركات الجهادية التي تعتمد خصوصا الحوالات المالية وجمع التبرعات العينية من خارج بلدان نشاطها، فيما يرى محللون أن هاته الطرق التقليدية في جمع التمويلات التي تحاول الدول الغربية محاصرتها قد تجاوزها الزمان بعد أن هجرها الجهاديون نحو منصات الدفع الافتراضية والعملة الرقمية ما يفاقم صعوبة التعقب وينذر بفشل الآليات المزمع اتخاذها.
باريس – أعلنت فرنسا أنها تريد قرارا من مجلس الأمن الدولي لمكافحة تمويل الإرهاب، يستهدف خصوصا الحوالات المالية وجمع التبرعات اللذين يجب أن يتكثف التعاون الدولي ضدهما، فيما توجهت الحركات الجهادية إلى الاستفادة من منصات التمويل الافتراضي، ما يجعل الخطوات الفرنسية ليست ذات جدوى.
وقال السفير الفرنسي في الأمم المتحدة فرنسوا ديلاتر إنه “ما زالت هناك تحديات كبيرة تجب مواجهتها”، معلنا أنه سيقدم في الأسابيع المقبلة مشروع قرار بخصوص مكافحة تمويل الإرهاب.
ويمكن أن يتم تبني القرار في مارس القادم، عندما تتولى فرنسا رئاسة مجلس الأمن الدولي، فيما أكد مصدر دبلوماسي فرنسي أنه سيكون أول قرار للأمم المتحدة يتناول بالتحديد هذه المسألة.
وخلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي في نيويورك، طالب أغلب المشاركين الممثلين لروسيا ودول أفريقية أو آسيوية، بتقاسم أفضل للمعلومات بين الحكومات.
وأكد مدعي الجمهورية الفرنسية في باريس ريمي هيتس المكلف خصوصا بقضايا الإرهاب في فرنسا، إن “هزائم داعش على الأراضي فككت وضربت أرضه وأضعفت قدرته على التمويل ذاتيا، لكن هذه الشبكات لم تختف والتهديد قابل لتجدد دائم”.
وأكد المدعي العام الفرنسي أن “المعلومات المالية تسمح برصد الآثار والمؤشرات التي يتركها الإرهابيون عند الإعداد لأعمالهم الإجرامية”، مشيرا إلى أن ذلك يساعد في “كشف بعض الأفراد والإعداد اللوجستي للانتقال إلى الفعل الإرهابي”.
وتابع “قد يتعلق الأمر بتقديم طلب للحصول على قرض استهلاكي أو شراء بطاقات طائرة لدولة مجاورة لمنطقة الجهاد”، مؤكدا أن “الاستخبارات المالية يمكن أن تسمح بوقف مشاريع السفر إلى تلك المناطق”.
وكشف هذا الخبير في مكافحة الإرهاب أن “القضاء الفرنسي تعرف منذ أربع سنوات على 400 شخص يجمعون تبرعات في دول مجاورة للمنطقة السورية العراقية”.
وأوضح أن “هؤلاء الوسطاء الماليين الذين يعملون لداعش أو القاعدة يتسلمون حوالات مالية مثل تلك التي ترسل عبر، ويسترن يونيون، قيمتها تتراوح بين عشرات وآلاف اليورو”، مشيرا إلى أن “هذه الحوالات ترسل من نحو مئة بلد في العالم لتنقل بعد ذلك إلى المقاتلين الجهاديين”.
وقال هيتس إنه في فرنسا وحدها “رصدنا مئات المرسِلين الذين قاموا ببعث واحد أو أكثر من هذه الحوالات إلى جامعي أموال، تتجاوز قيمتها المليون دولار”.
وتابع “عبر توقيف مرسلي الحوالات والتحقيق معهم، حصل المحققون على اعتراف بوجود حوالي عشرة فرنسيين من رجال ونساء، في منطقة القتال، لم يكن قد تم رصدهم من قبل”.
وأكد أن “هذه التحقيقات كشفت أنه بمتابعة مسار المال، نتابع مسار الإرهابيين”، مشددا على أن “مكافحة الإرهاب تمر بالضرورة عبر مكافحة عصب كل الحروب، أي المال”.
وأشار أن “هذا النوع من التمويل استخدم أيضا عند عودة جهاديين إلى دولهم الأصلية”، وهذه قضية أساسية لعدد من البلدان التي استهدفتها اعتداءات في السنوات الأخيرة.
وأضاف أن “كشف هذه الحوالات يسمح للمحققين برصد الإرهابيين الذين يمكن أن يحاولوا مغادرة المنطقة السورية العراقية للعودة إلى أراضينا وفي بعض الأحيان لتنفيذ اعتداء فيها”.
وكان مجلس الأمن الدولي قد تبنى قرارات في الماضي تهدف إلى منع تنظيم الدولة الإسلامية وعناصر على ارتباط بمقاتلي القاعدة من الحصول على تمويل، بما في ذلك نص أُقرّ في 2015 يسمح بفرض عقوبات.
ويرى خبراء أن هزيمة تنظيم داعش في العراق وسوريا، حرمته من مصدر تمويله الأول على غرار غنائم الحرب أو ابتزاز الأهالي ويحاول تعويض هذه الخسائر جزئيا باللجوء إلى تمويلات خارجية.

وكانت المفوضية الأوروبية أقرت في فبراير 2016، خطة عمل لمكافحة تمويل الإرهاب، بطلب ملح من فرنسا، بعد موجة الهجمات التي شهدتها باريس قبل عامين.
وقال نائب رئيس المفوضية فالديس دومبروفسكيس، بعدما تبنى الخطة، “بفضل الخطة اليوم، سنضع حدا سريعا لتمويل الإرهاب مع اقتراح تشريعات في الأشهر المقبلة”.
وتتضمن الخطة الفرنسية جانبين، الأول يتناول عمليات تحويل الأموال للحيلولة دون وصولها إلى الإرهابيين، والثاني يهدف إلى تجفيف منابع التمويل.
وبالنسبة إلى الجانب الأول، تركز المفوضية خصوصا على البطاقات المدفوعة سلفا والعملة الافتراضية. وقال المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية الفرنسي بيار موسكوفيسي “نريد التصدي للطابع المجهول لوسائل الدفع الإلكترونية هذه”.
وتعتبر البطاقات المدفوعة سلفا، والتي تبين أنها استخدمت في تدبير اعتداءات باريس لتمويل تأمين سيارات وشقق للمهاجمين، بديلا من بطاقات الدفع العادية لاسيما بالنسبة للأشخاص الذين ليست لديهم حسابات مصرفية.
والبطاقات التي تحمل أختام شركات “فيزا” أو “ماستركارد” والمزودة برقم سري تتيح لمستخدميها أن يسحبوا الأموال نقدا من أجهزة الصرف الآلي، أو الشراء من متاجر أو عبر المواقع الإلكترونية على غرار البطاقات الائتمانية العادية الصادرة من المصارف.
وتستهدف الخطة أيضا الأوراق النقدية من فئة 500 يورو، وهي المفضلة في أوساط الجريمة المنظمة لسهولة حملها في شكل سري.
وفي ما يتعلق بالجانب الثاني، تستهدف المفوضية مصدرين للتمويل خصوصا “سوء استغلال تجارة السلع، ما يساعد الإرهابيين في التمويه لمصدر بعض الأموال، وتهريب الآثار الذي يمارسه داعش ويساهم في تمويل عائداته”.
وتحاول التنظيمات الجهادية تنويع طرق تمويلها تفاديا للرقابة التي يفرضها الغرب، حيث وجدت في منصات التمويل الرقمية والعملة الافتراضية ملاذا لمواصلة جمع الأموال، مستغلة ظهور شركات التمويل الرقمي الجديدة التي يقول المسؤولون إنها تعقد إمكانية تعقب التحويلات المالية.