صفقة بيع صحيفة بريطانية تثير تساؤلات بشأن شفافية وسائل الإعلام

نشطت في الأعوام الأخيرة صفقات بيع أسهم في الشركات الإعلامية البريطانية المملوكة لرجل الأعمال الروسي إيفجيني ليبيديف، لاسيما صحيفتي “إيفنينغ ستاندرد” و”الإندبندنت”، لكن الصفقة الأخيرة التي أبرمت مع مشتر لم يتم الإفصاح عن هويته، أثارت تساؤلات حول شفافية وسائل الإعلام.
لندن- أكدت تقارير إخبارية أن إيفجيني ليبيديف، المالك الروسي لصحيفة “إيفنينغ ستاندرد” البريطانية، أبرم صفقة في ديسمبر الماضي، باع بموجبها حصة من الشركة الأم للصحيفة إلى مستثمر يخفي هويته تحت ستار شركة جزر كايمان، الأمر الذي يثير تساؤلات حول شفافية ملكية وسائل الإعلام في المملكة المتحدة، ومن يملك السيطرة التحريرية فيها.
وذكرت صحيفة فاينينشال تايمز في تقرير لها أن مالك شركة كايمان (المجهول الهوية)، دفع ما يقارب 14 مليون جنيه إسترليني إلى ليبيديف، الذي يملك بدوره ما يقارب 90 بالمئة من أسهم “إيفنينغ ستاندرد” في لندن، والتي يقوم بمسؤولية رئيس التحرير فيها جورج أوزبورن، وزير المالية السابق في المملكة المتحدة.
وبموجب الصفقة أصبح المشتري الجديد يملك أكثر من 20 بالمئة من شركة “ليبيديف هولدينغز” المالكة للصحيفة بالإضافة إلى صحيفة “الإندبندنت”، وقد عانت الشركة الأم من خسائر تقدر بالملايين من الجنيهات، مما جعلها تعتمد على دعم ليبيديف المالي. وتوزع الصحيفة البريطانية نحو 900 ألف نسخة مجانا حصرا في العاصمة البريطانية لندن.
وتأتي هذه الصفقة بعد صفقة مماثلة قبل عامين، تمثلت في شراء رجل أعمال سعودي لحصة تصل إلى 30 بالمئة من أسهم صحيفة ذي إندبندنت، التي يسيطر عليها ليبيديف أيضا.
ويحق للمستثمر الجديد في “ليبيديف هولدينغز” تعيين مديرين اثنين، ويمتلك حصة غير مباشرة بنسبة 18 بالمئة في “إيفنينغ ستاندرد”، لكن حتى الآن لم يتم تعيين أي مدير جديد منذ إتمام عملية البيع.
ويفرض قانون المملكة المتحدة تقديم بيانات عن الـمشتري “شخص ذو النفوذ الكبير” إلى دار الشركات في المملكة المتحدة، لزيادة شفافية الشركة. وبقيت هويات المشتري من شركات جزر كايمان غير متاحة للجمهور، كما هو معتاد في العديد من الولايات القضائية الخارجية الأخرى.
وذكرت “فاينينشال تايمز”، أنها تقدمت بعدة طلبات لممثلي “ليبيديف هولدنغز” من أجل الكشف عن هوية المالك الجديد للحصة، إلا أنهم رفضوا الإجابة، لكنهم زودوا الصحيفة بسجل للأعضاء المساهمين في “ليبيديف هولدنغز”، ومذكورة فيه شركة جزر كايمان.
وقال بول فارلي عضو البرلمان العامل ضمن اللجنة الرقمية والثقافية والإعلامية والرياضية “في الدول الديمقراطية، من المهم أن تكون ملكية وسائل الإعلام مفتوحة وشفافة. عند ذلك، يمكن أن تكون لدى الناس وجهة نظر كاملة للحكم على مصدر المنشور”. وأضاف “تعد ستاندرد الصحيفة الأكثر نفوذا في العاصمة البريطانية، وقد أصبحت أكثر صراحة في المجال السياسي تحت قيادة رئيس التحرير الجديد. ولهذا السبب، يجب أن تتوفر الشفافية حول ملكيتها”.
وبموجب نظام دمج الإعلام، يمكن لوزارة الخارجية التدخل في الحالات التي تكون فيها مصلحة عامة. وبدورها أكدت وزارة الثقافة الرقمية والإعلام والرياضة “إننا نراقب العمليات التي يتم فيها نقل الحركات المسيطرة في المؤسسات الإعلامية في المملكة المتحدة بعناية”.
واشترى والد ليبيديف، وهو ضابط سابق في الاستخبارات الروسية، “إيفنينغ ستاندرد” و”الإندبندنت” في عامي 2009 و2010 على التوالي. وفي ذلك الوقت، تعهد بدعم تقارير التحقيق لتعزيز الشفافية في المجتمع.
وقد استثمر ليبيديف ووالده منذ ذلك الحين الملايين في تلك الشركات. وذكر ليبيديف أن الخسارة السنوية التي كانت صحيفة الإندبندنت تتعرض لها عندما اشترتها عائلته في عام 2010، كانت تقدر بنحو 25 مليون جنيه إسترليني.
وفي 2017 تم بيع حصة نسبتها 30 بالمئة من أسهم “ديجيتال نيوز آند ميديا” وهي المؤسسة التي تصدر صحيفة ذي إندبندنت البريطانية إلى المستثمر السعودي سلطان محمد أبوالجدايل. ووفقا لملفه الإعلامي الاجتماعي والتقارير الإعلامية السابقة، يعمل أبوالجدايل لدى بنك الاستثمار السعودي “البنك الأهلي التجاري”، وهو المساهم الأكبر في المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق.
ووقعت المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق عام 2018 على اتفاقية مع ذي إندبندنت لإنشاء أربعة مواقع إخبارية ونشر محتوى باللغة الأردية والتركية والفارسية والعربية. وأثار موظفو ذي إندبندنت في لندن مخاوفهم حول ما إذا كان هناك أي تدخل في الاستقلال التحريري، لكنّ متحدثا باسم ذي إندبندنت، أكد لفاينينشال تايمز أن الصفقة مع أبوالجدايل تتضمن بنودا تشير إلى عدم تأثير أي مساهم على محرر صحيفة ذي إندبندنت.
وواجهت شركات ليبيديف الإعلامية، والتي تشمل قناة “لندن لايف” في لندن، صعوبات مالية العام الماضي. ووفقا لأحدث التقارير السنوية للشركة، بلغت التزامات ليبيديف في سبتمبر 2017 ما يزيد عن 135.7 مليون جنيه إسترليني، بعد أن كانت تقدر بـ117.8 مليون جنيه إسترليني في 2016. وقد اعتمدت الشركات على الدعم المالي من خلال قروض ليبيديف.
وفي مارس من العام الماضي، رفع ليبيديف حصته في إيفنينغ ستاندرد من 65 بالمئة إلى 89 بالمئة، بعد صفقة تمويل أدت إلى تراجع حصة ناشر صحيفة ديلي ميل إلى 10 بالمئة. وفي ذلك الوقت، رفضت شركة إيفنينغ ستاندرد التعليق على ما إذا كان هناك مستثمر جديد فيها.