هل الرواية في خطر؟

عندما سئل فيليب روث عن مقولة نطق بها بطل إحدى رواياته متحسرا على “الزمن الذي كان فيه النابهون يستعملون الأدب وسيلة للتفكير”، أجاب بأن هذا الزمن يشهد نهايته، وأن الرواية أشبه بدابّة تُحتضر، تُنازع بهدوء.
الخميس 2019/01/31
عزوف القراء خطر يحدق بالرواية (لوحة: محمد ظاظا)

خلال ندوة افتتاح بيت الرواية في تونس، في شهر مايو الماضي، أثيرت عدة أسئلة تتعلق بهذا الجنس الأدبي، كان من بينها “هل الرواية في خطر؟” وقد تناوب المساهمون على تبين أنواع الخطورة التي تتهدد مصير الرواية، وأدلى كل واحد بما يراه.

منهم من حصر الخطورة في غياب التوزيع والمتابعة النقدية، فبعض الكتب لا تتجاوز أسوار المدينة ولا تحظى ولو بخبر في الصفحات الثقافية؛ ومنهم من جعل الرقابة عنوانا لها، رقابة السلطة السياسية ورقابة المجتمع بمحظوراته الثقافية المعتادة؛ ومنهم من تلمس الخطر في تناسل كتّاب الرواية، وقد صار تأليفها طقس عبور يأتيه كل من يحسب الرواية مجرد حكاية، ذات بداية وذروة ونهاية، دون امتلاك لأدواتها الفنية في الغالب، ولا اطلاع على المدونة المحلية والعربية والعالمية، حسبه أن يكتب وسوف يجد من يزكي، ولو بلايكات على الفيسبوك.

ومنهم أيضا من وجّه إصبع الاتهام إلى الكتاب أنفسهم، أو فئة منهم على الأقل أوغلت في التجريب بدعوى التجديد، فأنتجت نصوصا معقدة، موغلة في الغموض، قد تقطع الصلة بالقارئ في حال تعميمها كظاهرة يحتفي بها النقد، الأكاديمي بخاصة؛ إضافة إلى ظاهرة أخرى ذاعت وشاعت، وهي الكتابة بمواصفات معينة من جهة تبسيط اللغة واستعمال الجمل الاسمية القصيرة طمعا في الترجمة، ما يخلق نصوصا هجينة قد تشكل خطرا على الرواية.

كل ذلك لن يعوق الرواية عن الاستمرار، لأن الإنسان كائن حكّاء، وسوف يواصل الحكي ولو بأشكال جديدة، قد تستفيد من المستحدثات التكنولوجية كالوسائط والتطبيقات الرقمية، ومن أنماط التعبير الأخرى كسيناريو الأفلام والمسلسلات، ولكن الخطر الحق الذي يحدق بالرواية هو عزوف القراء في المستقبل القريب.

عندما سئل فيليب روث عن مقولة نطق بها بطل إحدى رواياته متحسرا على “الزمن الذي كان فيه النابهون يستعملون الأدب وسيلة للتفكير”، أجاب بأن هذا الزمن يشهد نهايته، وأن الرواية أشبه بدابّة تُحتضر، تُنازع بهدوء، والسبب ليس انقراضا متوقعا للكتّاب، فهم سيظلون يتناسلون، وتظل الروايات تتكاثر، بل غياب القارئ، من الذي سيقرأ تلك الأعمال، ويحيي جهود أولئك الكتاب؟

وفي رأيه أن القراء سيزولون أو سيتحولون إلى مجمع سري، على غرار قراء الشعر اللاتيني، وأن القادرين على تلقي الرواية هم نوع بات مهددا بالانقراض. ويعزو روث ذلك الغياب المتوقع إلى الشاشات بأنواعها، فهي في نظره سرطان يصيب الناس أجمعين، لأنها أكثر إثارة من المكتوب مهما كانت قيمته، ويتساءل في النهاية “من الذي سيواصل القراءة بعد عشرين سنة؟”.

15