"محركات قاتلة" مستعمرات متحركة تقود العالم في العام 3018

فيلم للمخرج كريستيان ريفرز تمتد أحداثه إلى العام 3018، حيث تتصارع مستعمرات متحركة في ما بينها، بعد الانهيار العظيم الذي أصاب الأرض.
الاثنين 2019/01/28
إثارة فوق التوقع

نظرة إلى ما سوف يؤول إليه هذا العالم، وكيف سيكون شكل الحياة بعد بضعة عقود؟ تلك خلاصة للعديد من أفلام الخيال العلمي، وغالبا ما تروي للجمهور ما بعد الانهيار العظيم وقد تقاتلت الأمم في ما بينها إلى حد إصابتها بالفناء أو بالكوارث الطبيعية أو الأوبئة.

عمدت العديد من التجارب السينمائية إلى استشراف شكل الحياة على الأرض بعد عقود قادمة، مرتكزة أساسا على ثيمة ما بعد الانهيار العظيم، ليمنحنا أكثر من فيلم خيال علمي استثناءات تتوغل بعيدا وعميقا في تلك الثيمة المجردة، بل والتي تصل حد التطرف أحيانا، بالذهاب إلى مئات السنوات من الآن.

وتلك هي قصة فيلم “محركات قاتلة” للمخرج كريستيان ريفرز، حيث سنجد أنفسنا مع أحداث الفيلم التي تمتد إلى العام 3018، ولنا أن نتصور شكل الحياة في ذلك المستقبل البعيد.

الأرض تم فناؤها خلال ساعة واحدة، أما الناجون فقد تجمعوا في مستعمرات متحركة هي مدن بكاملها يفتك بعضها ببعض، والأقوى فيها هي لندن التي يقودها قاتل متمرس وغاز عنيد هو فالنتين (الممثل هوكو ويفنك) الذي يقود مستعمرته المتحركة بما أوتيت من قوة وسلاح فتاك لغزو مستعمرة أصغر وأضعف، وتجري وقائعها مع المشاهد الأولى للفيلم.

ولا شك أنها علامة للتمكن والاحتراف العالي، ذلك عندما يذهب بك المخرج وفريقه منذ الدقائق الأولى إلى قلب الدراما وذروة الصراع، حيث لا متسع لأن تشعر بالرتابة أو الملل.

سننجذب لأحداث بعضها يذكرنا بألعاب الفيديو السائدة، فالفيلم يعج بالمركبات الطائرة وبالهجمات المميتة، ولكنه بين الحين والآخر يجعلنا أمام صدمة بصرية حقيقية عندما ينشئ تركيبا مكانيا هائلا مشبعا بالإيهام البصري الذي لا يمكنك إلاّ أن تشعر أمامه بالدهشة، ومن ذلك المشاهد التي تمت خلالها ملاحقة هيستر (الممثلة هيرا هيلمر) مع صديقها توم (روبرت شيهان)، فهما في قلب الحدث والمغامرة، ودم هيستر مطلوب من قبل الطاغية فالنتين من جهة ومن قبل كائن نصفه روبوتي (الممثل ستيفن لانك).

مساحة المغامرات والصراع والخطوط السردية المتشابكة لا تتيح لك المزيد من الوقت لتأمل ذلك الإبهار البصري، والزج بحبكات ثانوية تقود إلى المزيد من التصعيد الدرامي.

تتحول هيستر إلى محور أساسي في الصراع، ولعل أغلب مشاهد الفيلم مكرسة لها، وأهمها الانتقام لأمها التي قتلها فالنتين لينتزع منها أسرار طاقة الكم التي لا تنفد والتي صار يستخدمها للفتك والتدمير.

وفي المقابل تنسج علاقة إنسانية هادئة بين هيستر وتوم تصقلها الكوارث التي مرا بها وسلسلة المغامرات التي خرجا منها بمعجزة.

وفي وسط ذلك يقع تحول جديد بدخول الآسيويين إلى عمق الصراع من خلال شخصية آنا (الممثلة جيهاي) التي تظهر فجأة من أجل إنقاذ هيستر من هلاك محقق، ثم تتطور الدراما لاحقا ليتحقق صلح فريد وفيه الكثير من الرمزية بين أمة الصينيين والآسيويين وبين مستعمرة لندن التي تمت هزيمتها في اللحظة الأخيرة.

ولا بد هنا من التذكير بأن هنالك لمسات لا تخفى لواحد من ألمع مخرجي هذا النوع الفيلمي، وهو بيتر جاكسون صاحب السلسلة ذائعة الصيت “ملك الخاتم” والحاصد للعديد من الجوائز بما فيها الأوسكار، وهو هنا مشارك في كتابة السيناريو والإنتاج، ثم لنعلم أن المخرج كريستيان ريفيرز نفسه كان أحد العاملين في فريق جاكسون في أفلام عدة خاصة في مجال المؤثرات البصرية الخاصة.

ولا شك أن اتحاد رؤيتي جاكسون وريفيرز كان كافيا لوحده لتقديم فيلم استثنائي في سياق أفلام الخيال العلمي ليحيلنا إلى عبقرية الشكل والمناظر والبناء المكاني والتدفق البصري واللوني، فضلا عن الخدع السينمائية وكلها كانت كافية لتقديم فيلم ناجح تجاريا من دون أدنى شك وسط حبكة درامية متشابكة الصراعات.

وحظي الفيلم بقراءات نقدية متعددة منها ما كتبه الناقد السينمائي المخضرم في “الغارديان” البريطانية بيتر برادشو على الرغم من أنه لم يمنح الفيلم سوى نجمتين من خمسة، وهو ينتقد قصة ومعالجة الفيلم لجهة جدوى وضع مدن متصارعة كل منها تسير على عجلات، فلا يراها مقنعة مع أنها ليست افتعالا، إذا علمنا أن الفيلم مأخوذ عن رواية صادرة في العام 2001 للكاتب فيليب ريف.

ولا شك أن الفيلم أصاب في منح الجانب الإنساني خطا سرديا مهما من خلال شخصية هيستر التي تدفع ثمنا لا تستحقه، وهي تتذكر ما اكتشفته أمها عالمة الآثار والتاريخ القديم، وهو صندوق الطاقة الكمية ومفتاحها الذي يفتح شهية فالنتين الذي يقتل الأم ويطارد الابنة التي ينقذها الكائن الروبوتي الخارقي.

هذا الجانب تحدثت عنه الناقدة هيلين أوهارا في مجلة “إمباير” الشهيرة التي انتقدت حبكة الفيلم وأشارت إلى ملامح سلسلة “حرب النجوم” التي تظهر في بعض المشاهد، ولكنها تُسلم بأن مساحة الإثارة والمغامرة في هذا الفيلم هي فوق التوقع.

في المحصلة، من كان يبحث عن فيلم مثير وأجواؤه الدرامية لا ترهّل فيها، فيما الأحداث والصراعات لا تهدأ، سيجد كل هذا متوفرا في “محركات قاتلة”، تضاف إلى ذلك جماليات الشكل الفيلمي والاتقان العالي لبناء المكان ومهارة التصوير والمونتاج حتى يتكامل أمامنا فيلم متميز بحق.

16