استمرار الحراك يعمّق الشرخ بين جهاز الأمن والجيش في السودان

اشتباك مسلح بين جنود ورجال شرطة يوقع قتيلا في بورتسودان  ينذر بمزيد تصاعد الاحتقان.
الجمعة 2019/01/25
النظام يفشل في احتواء الحراك

الاشتباك الذي جرى مؤخرا بين عناصر من الأمن والجيش في السودان يعد مؤشرا على حالة من الانقسام بين أجهزة الدولة بشأن الاحتجاجات وسط توقعات بأن تتعمق في حال استمرّ الحراك وازداد زخمه، وهو ما تراهن عليه بعض القوى.

الخرطوم – كشفت جهة أمنية سودانية عن سقوط قتيل من جهاز الأمن والمخابرات الوطني وإصابة آخرين مساء الأربعاء، في اشتباك مسلح بين أفراد من الجهاز وقوات من الجيش في مدينة بورتسودان شمال شرق البلاد، ما يعكس حالة من الاحتقان بين الطرفين على خلفية التباين حول كيفية التعاطي مع الحراك الاحتجاجي.

وبدا واضحا منذ بداية التحركات الاحتجاجية في السودان قبل أسابيع أن جزءا كبيرا من عناصر الجيش يتجنبون استخدام القوة ضد المتظاهرين لا بل إن هناك اعتقادا واسعا بأن صغار ضباط الجيش والجنود يميلون إلى دعم الحراك.

في المقابل فإن عناصر جهاز الأمن والمخابرات الوطني الذي يرأسه صلاح عبدالله قوش، هم من يقودون عملية قمع المظاهرات الشعبية التي تطالب برحيل الرئيس عمر حسن البشير، والتي أدت إلى سقوط العشرات بين قتلى وجرحى في صفوف المحتجين الذين يصفهم النظام “بالمخربين”.

روبرت بالادينو: الولايات المتحدة تؤيد المطالب القانونية للمتظاهرين في السودان
روبرت بالادينو: الولايات المتحدة تؤيد المطالب القانونية للمتظاهرين في السودان

ووقعت حادثة الاشتباك بين عناصر الأمن والجيش في بورتسودان المدينة المطلة على البحر الأحمر، وسط أنباء بأن الخلاف بين الطرفين يعود إلى اعتقال جهاز الأمن لضابط في الجيش يدعم الاحتجاجات.

وقال البيان الصادر عن مقرر لجنة أمن الولاية، لواء الشرطة محمد موسى عمر “إن احتكاكا بين أفراد من منتسبين إلى القوات المسلحة وأفراد من منتسبين إلى جهاز الأمن والمخابرات الوطني، أصيب على إثره عدد منهم وتم إسعافهم وغادروا المستشفى.. واحتسبت قوات جهاز الأمن والمخابرات الوطني فردا من قواتها سائلين الله له القبول والمغفرة… وقد تم احتواء الموقف بواسطة قيادة الطرفين”.

وذكر عدد من أهالي بورتسودان، أن الاشتباكات كانت قريبة من الساحل، مما أجبر المقاهي والمطاعم على إغلاق أبوابها.

وأكد موسى عمر في البيان “تم احتواء الموقف بواسطة قيادة الطرفين، والأوضاع الأمنية الآن بالولاية مستقرة”.

وهذه هي المرة الأولى من نوعها التي يحدث فيها اشتباك بين قوات الأمن والجيش منذ بدء موجة الاحتجاجات المناهضة للحكومة والتي هزت السودان منذ 19 ديسمبر.

ويرى مراقبون أن الحادثة التي جرت هي مؤشر عن وجود حالة من الانقسام بين أجهزة الدولة بشأن الحراك، يرجح أن تتعمق مع استمرار الاحتجاجات.

ويشير المراقبون إلى أن هناك شقا كبيرا من عناصر الجيش وصغار الضباط يؤيدون الحراك، في ظل الظروف الاجتماعية الصعبة التي يعانون منها.

وعمد النظام السوداني على مدى العقود الماضية إلى تهميش الجيش، مراهنا على جهاز الأمن، وقوات الدعم السريع التي هي في واقع الأمر ميليشيا جرى تعويمها وإلحاقها بالمؤسسة العسكرية في العام 2014، في ظل ضغوط دولية تطالب بحلها بسبب اتهامات لها بارتكاب انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب خاصة في إقليم دارفور غرب البلاد، فضلا عن مسعى لاحتواء هذه القوات في ظل تنامي نفوذها بشكل يدعو إلى القلق.

وأمام تغول المؤسسة الأمنية والدعم السريع سعى البشير في السنوات الأخيرة إلى إحداث نوع من التوازن بينها وبين الجيش، وقد تعهد في السنتين الأخيرتين بتقديم المزيد من الدعم للمؤسسة العسكرية، بيد أن التركيز اقتصر على القيادات العليا فيما ظل وضع الجنود وصغار الضباط هشا.

ومع اندلاع الاحتجاجات في مدينة عطبرة من ولاية نهر النيل شرق البلاد ردا على تضاعف سعر الخبز إلى ثلاثة أضعاف، بدا أن عناصر الجيش يتجنبون الدخول في مواجهات مع المحتجين، الأمر الذي شجع بعض القوى السياسية على دعوة الجيش إلى التحرك والوقوف مع الحراك.

Thumbnail

وأصدر 22 حزبا، بينهم من يشارك في الحكومة وثيقة اعتبرها حزب المؤتمر الوطني الحاكم دعوة إلى الجيش للتدخل والانقلاب على الحكم، الأمر الذي دفع رئيس الأركان المشتركة الفريق أول ركن كمال عبدالمعروف الماحي إلى إعلان التزام القوات المسلحة بـ“الوقوف خلف قيادته”.

ولم يبدد هذا الالتزام على ما يبدو هواجس البشير من إمكانية تعرضه لانقلاب عسكري، وسعى في كل إطلالاته الأخيرة إلى الإشادة بالجيش والثناء عليه.

وقال في إحدى الإطلالات “إذا جاء واحد لابس كاكي (عسكري) والله ما عندنا مانع لأن الجيش لما يتحرك ما يتحرك من فراغ ولدعم العملاء بل يتحرك للوطن وحماية للوطن وحماية لمكتسبات الوطن”.

ولا يستبعد مراقبون تحرك الجيش والوقوف إلى جانب الحراك في حال استمر على زخمه، ولكن يبقى ذلك خاضعا أيضا لاعتبارات عدة لا تتعلق فقط بالوضع الداخلي بل وحتى الإقليمي والدولي.

وتجددت الاحتجاجات في 5 مدن سودانية كبيرة، الخميس، منددة بالأوضاع الاقتصادية في البلاد ومطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير.

وقال تجمع المهنيين السودانيين، وهو عبارة عن هيكل نقابي مستقل يضم أطباء ومهندسين ومعلمين وأساتذة جامعيين، في بيان، إن مدن الخرطوم (وسط)، والقضارف (شرق)، ودمدني والمناقل (شرق) وسنار (جنوب شرق) شهدت احتجاجات ومظاهرات‎.

وأشار “تجمع المهنيين” الذي يتولى قيادة دفة الحراك إلى خروج أكثر من 30 موكبا (مسيرة) تطالب بتنحي الرئيس البشير في أنحاء متفرقة من البلاد.

Thumbnail

وكان تجمع المهنيين السودانيين وثلاثة تحالفات معارضة، قد أعلنت الأربعاء عن 17 موقعا لتجمع المحتجين، تمهيدا للتحرك في “مواكب التنحي”، صوب قصر الرئاسة في الخرطوم، الخميس، إضافة إلى مواكب شاملة في مدن وقرى في أنحاء البلاد المختلفة.

وسبق أن نظم “تجمع المهنيين”، 4 مسيرات وسط الخرطوم، منذ اندلاع الاحتجاجات، بهدف تسليم مذكرة إلى القصر الرئاسي تطالب بتنحي الرئيس البشير، الذي يتولى السلطة منذ عام 1989، بانقلاب قادته جبهة الإنقاذ الإسلامية. لكن قوات الأمن فرقت المحتجين بقنابل الغاز المسيل للدموع، ومنعتهم من تسليم المذكرة.

ونددت الاحتجاجات في البداية بتدهور الأوضاع المعيشية في السودان، لتأخذ في ما بعد بعدا سياسيا بالدعوة إلى إسقاط نظام البشير.‎

وسقط خلال الاحتجاجات 26 قتيلا، حسب أحدث إحصاء حكومي، بينما تقول منظمة “العفو” الدولية إن عددهم 40 قتيلا.

وفي ظل استمرار الحراك الشعبي بدأت تبرز مواقف دولية داعمة له، وآخرها الموقف الأميركي حيث أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، روبرت بالادينو، الأربعاء، أن بلاده تؤيد “المطالب القانونية” للمتظاهرين، معربا عن انزعاج واشنطن بسبب اعتقال المحتجين، واستخدام العنف ضدهم.

وفي وقت سابق دعت فرنسا السلطات السودانية إلى ما أسمته “وضع حد للعنف الذي تمارسه قوات الأمن بحق المحتجين الذين يتظاهرون ضد النظام منذ أكثر من شهر”.

2