القاهرة للكتاب في يوبيله الذهبي: تجاوز أخطاء الماضي

معرض القاهرة الدولي للكتاب ينطلق وسط مواجهة إدارته لمجموعة من الصعوبات والتحديات بسبب ارتفاع الأسعار وبُعد المسافة وانسحاب عدد من الناشرين.
الثلاثاء 2019/01/22
وعود بمرحلة جديدة للكتاب في مصر

تنطلق الدورة الخمسون من معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يحتفل هذا العام بيوبيله الذهبي، ورغم العديد من الصعوبات التي يواجهها فإن المعرض يسعى إلى تجديد فعالياته ونشاطاته إضافة إلى تغيير مكانه ليبدأ مرحلة جديدة رهانها تجاوز أخطاء الماضي والتأسيس لمستقبل جديد.

القاهرة - تنطلق اليوم الثلاثاء 22 يناير الدورة الخمسون لمعرض القاهرة الدولي للكتاب وسط اهتمام وترقب كبيرين لما ستسفر عنه فعاليات اليوبيل الذهبي للمعرض، بعد نقله إلى مقره الجديد بالتجمع الخامس، شرق القاهرة.

تواجه إدارة المعرض مجموعة من الصعوبات والتحديات بسبب ارتفاع الأسعار وبُعد المسافة وانسحاب “الغلابة” من الناشرين وغياب بعض الشخصيات والأسماء الفاعلة، لكن ذلك لم يمنعها من إعلان برنامج حافل بالتفاصيل والأرقام القياسية في تاريخ المعرض، ويبقى التطبيق الفعلي الفيصل في الحكم على نجاح المعرض.

تجاوز الأخطاء

يسعى المعرض في دورته الخمسين إلى تجاوز الصورة السلبية التي ظهر عليها خلال السنوات القليلة الماضية، حيث كاد يتلخص في صورة سوق شعبية للكتب، وسط افتقار إلى أبجديات التنظيم وتراجع لمستوى الخدمات، وانحسار كبير لقيمة البرنامج الثقافي من ندوات نقدية ولقاءات فكرية وأمسيات شعرية وغيرها مما كان يجتذب الآلاف في السنوات التي تألق فيها المعرض في القرن الماضي، حيث كان المعرض يحتضن أسماء من العيار الثقيل، منهم الشعراء نزار قباني ومحمود درويش وسميح القاسم وعبدالوهاب البياتي والكاتب محمد حسنين هيكل وغيرهم.

رغم الغيابات والاعتذارات التي لا تزال مستمرة في دورة اليوبيل الذهبي للمعرض، حيث خلا البرنامج المعلن من شخصيات كانت الدعوة قد وجهت إليهم مثل قائمة الأدباء الحاصلين على نوبل، والسوري أدونيس والعراقي سعدي يوسف واللبناني وديع سعادة وغيرهم، فإن الهيئة المصرية العامة للكتاب أعلنت قائمة من الأسماء العربية الفاعلة ضمن برنامج ثقافي حاشد ومتنوع، يفسح المجال لسائر التيارات، ويحتفي بالشباب والكتابة الإبداعية الجديدة.

يضم برنامج هذا العام قرابة 2500 كاتب ومبدع، ويبلغ عدد الضيوف العرب والأجانب نحو 170 ضيفًا، منهم: فيصل دراج (فلسطين)، عبدالله الغذامي وعبده خال (السعودية)، علي المقري (اليمن)، هدى بركات (لبنان)، عزالدين المدني (تونس)، عبدالفتاح كيليطو (المغرب)، عدنان الصايغ (العراق)، إبراهيم الكوني (ليبيا)، أمير تاج السر (السودان)، وغيرهم.

من المشكلات السابقة التي يسعى معرض القاهرة للكتاب بإشراف وزيرة الثقافة إيناس عبدالدايم إلى تداركها هذا العام، تضرر الناشرين بسبب تلف كتبهم في الخيام التي كانت تصيبها الأمطار، ففي مقر المعرض الجديد لا توجد خيام ولا أمكنة مكشوفة لعرض الكتب، بما يوفر لها حماية كافية، ويسعى المعرض في هيئته الجديدة إلى توفير منظومة خدمات متطورة تليق بالزائرين، وتعيده إلى صفوف المعارض العالمية النشطة.

ثمة مشكلات أخرى تواجه المعرض هذا العام، وتعمل الإدارة على مواجهتها بأساليب نوعية، ومنها ارتفاع أسعار الكتب، وطول المسافة بعد نقل المعرض إلى منطقة التجمع بالقاهرة الجديدة خارج حدود العاصمة، وانسحاب “الغلابة” من بائعي “سور الأزبكية” الذين يعرضون الكتب الرخيصة ويحظون بإقبال شديد.

في دورته الجديدة المعرض يسعى إلى تجاوز الصورة السلبية التي ظهر عليها في الماضي كسوق شعبية للكتب

تواجه إدارة المعرض مشكلة الغلاء بالتخفيضات النسبية، وبعض العروض الخاصة التي أعلن عنها هيثم الحاج علي رئيس هيئة الكتاب، ومنها حملة “كتاب بجنيه” لتنشيط بيع الكتب، كما جرى الاتفاق في اللحظات الأخيرة مع عدد محدود من مكتبات سور الأزبكية التي التزمت بكراسة الشروط الخاصة بمعرض الكتاب، وذلك لحل مشكلة غياب الكتب الرخيصة والنادرة.

بالنسبة إلى المشكلة الأصعب، الخاصة بالانتقالات، تعهدت إدارة المعرض بالتنسيق مع وزارة النقل بتوفير وسائل مواصلات عامة بأسعار مناسبة من كافة ميادين ومداخل القاهرة إلى المعرض، لكن من المؤكد أن بُعد المسافة سيقف عائقًا أمام الكثيرين في التردد المتكرر على المعرض ومتابعة فعالياته اليومية.

ويأتي رفع سعر تذكرة دخول المعرض إلى ثلاثة جنيهات (نحو 19 سنتا) ليشكل علامة استفهام، فإذا كانت إدارة المعرض ترغب بالفعل في زيادة الإقبال على المعرض، واجتذاب كافة الفئات الاجتماعية وطلاب الجامعات والمدارس، فلماذا يتم رفع سعر التذكرة على هذا النحو؟

وأطلق المعرض جُملة من الأرقام القياسية في تاريخه تتعلق بدورة اليوبيل الذهبي، منها مشاركة 1273 ناشرًا من 35 دولة، وعرض الكتب على مساحة 45000 متر مربع في 723 جناحًا، وإقامة حوالي 600 فعالية ثقافية وفنية، و600 حفل توقيع للكتب الجديدة.

فعاليات متنوعة

تبدو المحاور والعناوين البراقة التي يشهدها البرنامج الفكري والثقافي كثيرة ومتنوعة، مثل “نقد العقل العربي”، “نحو تشكيل هوية إبداعية”، “الحركة النسوية”، “التراث والتجديد”، “الاستثمار الثقافي”، “الاندماج الاجتماعي”، “الاستشراق”، “المواطنة الرقمية”، “فلسفة التكنولوجيا”، لكن يُلاحظ أن الإفراط في عدد الندوات والمحاضرات قد يكون على حساب التركيز والتفعيل، تمامًا مثلما قد يحدث في الأمسيات الشعرية، إذ يصعب الاستماع لخمسة وعشرين شاعرًا في يوم واحد، حتى إذا توزعوا على ثلاث أمسيات متتالية.

بهيئته الجديدة يحاول المعرض توفير منظومة خدمات متطورة تليق بالزائرين، وتعيده إلى صفوف المعارض العالمية

تأتي جامعة الدول العربية “ضيف شرف” المعرض في دورته الخمسين، واختير الكاتب ثروت عكاشة وزير الثقافة الأسبق، والكاتبة سهير القلماوي (أول مشرفة على معرض القاهرة للكتاب) ليكونا شخصيتي المعرض.

يشهد المعرض بعض الاحتفاليات الخاصة، منها مئوية ثورة 1919، ومئوية أدب المهجر العربي، ومرور 150 عامًا على إنشاء قناة السويس، ويحتضن المعرض للمرة الأولى “قاعة بانوراما أفريقيا”، بالتزامن مع رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي لعام 2019، وتنظيمها بطولة الأمم الأفريقية لكرة القدم في العام ذاته.

يبقى الزخم في الأنشطة على المحك، فالأهم ما تسفر عنه اللقاءات والنقاشات والأمسيات، ومدى التفاعل الذي سيحدث بين المشاركين والجمهور، وهل تمتلئ القاعات بالحضور أم لا؟ وهل سيأتي الطرح تشاركيًّا في الاتجاهين، أم فوقيًّا من جانب واحد؟ وهل ستثار القضايا من أجل تجاوزها ووضع حلول نهائية لها، أم بهدف الاستعراض والرصد فقط؟

في ما يتعلق بالشعر “فاكهة المعرض الأكثر رواجًا”، يشتمل البرنامج على مشاركة 300 شاعر، منهم (من خارج مصر): خوسي ماريا آلباريث كاكّمو (إسبانيا)، كلاوديو بوتزاني (إيطاليا)، شربل داغر وعباس بيضون (لبنان)، قاسم حداد (البحرين)، صلاح فائق (العراق)، منذر مصري (سوريا)، أحمد الملا (السعودية)، إبراهيم نصرالله (الأردن)، محمد ميلود غرافي (المغرب)، حبيب الصايغ (الإمارات)، علوي الهاشمي (البحرين)، خلود المعلا (الإمارات)، مراد السوداني (فلسطين)، وغيرهم.

يبدو أن إدارة المعرض قد استفادت من أخطاء الدورة الماضية في ما يخص الأمسيات الشعرية، التي غاب عنها الكثيرون بسبب إقامتها في مخيمات لا تليق بالحدث، فضلًا عن عدم إخطار بعض الشعراء بمواعيد أمسياتهم، وخصصت الإدارة هذا العام للأمسيات الشعرية قاعات حديثة مجهزة، وجرى إعلان البرنامج قبل انطلاق الحدث بوقت كافٍ، ومن المنتظر أن يستجيب الجمهور لنداء القصيدة قاطعا لأجلها المسافات البعيدة.

15