رئيس الحكومة التونسية يوسّع دائرة خصومه

أكد الإضراب العام الذي نفذه الاتحاد العام التونسي للشغل الخميس بقطاعي الوظيفة العمومية والقطاع العام، عمق الأزمة بين اتحاد الشغل والحكومة التي يقودها يوسف الشاهد، حيث لم تقتصر الشعارات التي رفعت بساحة محمّد علي (معقل المنظمة النقابية) على مطالب نقابية تستهدف الزيادات في الأجور بل تحولت إلى شعارات سياسية من قبيل “الشعب يريد إسقاط النظام”، كل هذه البوادر تدفع إلى التأكيد على أن يوسف الشاهد زاد في توسيع دائرة خصوم حكومته
تونس – نجح الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في تونس) الخميس في شن إضراب عام بالوظيفة العمومية وبالقطاع العام بنسب نجاح تقارب نسبة 100 بالمئة بمختلف محافظات البلاد، متجنّبا كل التحذيرات التي سبقت موعد الإضراب من تكرر سيناريو الإضراب العام لـ26 يناير 1978 في عهد الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة والذي كان يوما داميا سقط فيه قتلى وجرحى.
ورغم أن الإضراب العام الذي تم تنفيذه ساهم بدرجة كبيرة في شلّ الحركة بمختلف محافظات البلاد وخاصة في المؤسسات والمنشآت العمومية، إلا أنه كان وفق المتابعين فرصة جيّدة لمزيد معرفة عمق الأزمة بين المنظمة النقابية والحكومة والتي تحوّلت من نقابية إلى سياسية بامتياز.
وشرح الأمين العام للمنظمة النقابية نورالدين الطبوبي كل تفاصيل الأزمة مع حكومة يوسف الشاهد في الكلمة التي ألقاها أمام حشود من أنصار اتحاد الشغل بمعقله بساحة محمد علي، والتي جاءت بمثابة الردّ على الكلمة التي توجّه بها رئيس الحكومة للتونسيين قبل الإضراب بيوم.
وجدد الطبوبي انتقاده للحكومة بقوله إنّها ”تتاجر بقوت الشغالين، لم ننتخب حكومة لتفرّط في السيادة والقرار الوطني ماذا أبقيتم لهذا الشعب”.
وشدّد على أنّ ”المد الثوري مستمر وأنّ المعركة مستمرة ومتواصلة إلى غاية تحقيق مطالب الموظفين”، قائلا في رسالة تصعيدية “إنّ الهيئة الإدارية لاتحاد الشغل ستتخذ خطوة تصعيدية جديدة خلال اجتماعها السبت القادم”. ورأى مراقبون أن الطبوبي أبرق برسائل سياسية متعددة الأبعاد لحكومة الشاهد، خاصة بعد قوله لمنظوري الاتحاد “شارع الحبيب بورقيبة مفتوح أمامكم عبّروا عمّا تريدون، سنقلم أظافرهم قبل أن يقلموا أظافرنا”.
وسرعان ما التقطت قواعد المنظمة النقابية غمزات أمينها العام، ليتحول الإضراب إلى مسيرة غفيرة حاملة لشعارات سياسية من أبرزها “الشعب يريد إسقاط النظام”، كما طالبت قواعد الاتحاد، بإقرار تنفيذ إضراب عام في القطاعين العام والخاص.
وكان رئيس الحكومة يوسف الشاهد قد توجه بكلمة سبقت الإضراب الأربعاء قال فيها إن وضع المالية العمومية لا يسمح بزيادة في الأجور. وذكر بأن الزيادات في الأجور بعد الثورة وفي “غياب نمو حقيقي أدت إلى تضخم ومديونية وتراجع القدرة الشرائية”، مشيرا إلى أن الحكومة سخرت عمالا لتوفير الحد الأدنى من الخدمات في المؤسسات العمومية، غير أن الاستجابة كانت محدودة للغاية ومنعدمة في أغلب المؤسسات.
وأثارت مسألة التسخير غضب قيادات اتحاد الشغل حيث قال الأمين العام المساعد بالمنظمة حفيظ حفيظ إن اتحاد الشغل سيردّ بالقانون على قرار تسخير عدد من الأعوان التابعين لبعض الوزارات والمؤسسات والمنشآت العمومية بمناسبة الإضراب العام معتبرا أن هذا القرار “غير قانوني ومتسرّع ومتشنّج ويجسّم ارتباك حكومة الشاهد”. وأضاف أن المنظمة سترفع قضية استعجاليه على الحكومة.
ورأى مراقبون، أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد عبر اختياره الصدام مع أكبر منظمة نقابية في البلاد يذهب إلى توسيع دائرة خصومه السياسيين والاجتماعيين في وقت تتخبط فيها البلاد في أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة.
ويجمع الكثيرون أن رئيس الحكومة وإن انتصر في معارك سياسية سابقة مكّنته من مواصلة قيادة سفينة الحكومة رغم معارضة الرئيس الباجي قائد السبسي أو حزب نداء تونس والمعارضة واتحاد الشغل وبعض المنظمات الاجتماعية الأخرى، قد يعاني مستقبلا من ضعف التنسيق بين الحزام السياسي الداعم له والمتكوّن أساسا من كتلة حركة النهضة الإسلامية وكتلة الائتلاف الوطني المحسوبة عليه.

ومنذ مطلع عام 2018 دخل رئيس الحكومة في خصومة سياسية مع الرئيس الباجي قائد السبسي وحزب نداء تونس وأحزاب المعارضة وبعض الأطراف الاجتماعيين الذين تشبثوا خلال مفاوضات قصر قرطاج بوجوب تغيير الحكومة برمّتها بما في ذلك يوسف الشاهد.
وتأتي الخصومة مع اتحاد الشغل بالتزامن مع استعداد الشاهد لتأسيس حزب سياسي جديد سيتم الإعلان عنه رسميا في غضون الأسابيع القليلة القادمة، وعلى الأرجح في شهر مارس المقبل.
ويستدلّ بعض المتابعين بالبيان الذي أصدرته حركة النهضة صبيحة الإضراب العام والذي جاء متحفّظا جدا، وغير مساند بالشكل الكافي للحكومة تجنّبا للدخول في معركة كسر عظم مع اتحاد الشغل.
وأعربت النهضة عن مساندة متحفظة للحكومة بتأكيد محتشم أن الاقتراحات التي قدّمتها الحكومة في آخر جلسات التفاوض “يمكن البناء عليها بما يجنّب البلاد التوترات الاجتماعية”، وشدّدت على أملها في عودة المفاوضات، مستندة في ذلك إلى وجود ما أسمته بالإجماع “بشأن تطلعات الشغالين في العيش الكريم .
يشار إلى أن اتحاد الشغل سيعقد السبت هيئة إدارية وطنية لاتخاذ جملة من القرارات التصعيدية، من بينها إقرار إضراب عام آخر سيشمل القطاعين العام والخاص ان لم ترضخ الحكومة لمطالبه.