بريطانيا تحاول تحصين جهود غريفيث في اليمن بقرار أممي جديد

استصدار قرار جديد من مجلس الأمن الدولي بشأن محافظة الحديدة اليمنية، يعكس استماتة دولية، وبريطانية تحديدا، في الدفاع عن المسار السلمي الذي يحاول الدبلوماسي البريطاني مارتن غريفيث الدفع به في غابة من العوائق والمطبّات التي يضعها المتمرّدون الحوثيون في طريقه، ويحاول هو تجاهلها والقفز عليها حفاظا على ما حقّقه إلى حدّ الآن رغم ضحالته وضآلة آثاره على أرض الواقع.
عدن (اليمن) - اعتمد مجلس الأمن الدولي، الأربعاء، بالإجماع مشروع قرار بريطاني ينص على نشر 75 مراقبا أمميا من غير العسكريين لمدة 6 أشهر في الحديدة، غربي اليمن.
والمحافظة المطلّة على البحر الأحمر، وتضم ثلاثة موانئ، كانت المدار الرئيسي لجملة من الاتفاقات تمّ التوصّل إليها خلال مباحثات بين الحكومة اليمنية والمتمرّدين الحوثيين، احتضنتها العاصمة السويدية ستوكهولم في ديسمبر الماضي.
وتضمنت الاتفاقات إعلان وقف لإطلاق النار وإعادة نشر القوات وتبادل الأسرى، إلاّ أنّ تنفيذها على أرض الواقع واجه مصاعب ترجع بالأساس إلى مماطلة الحوثيين ومحاولتهم إيجاد تفسيراتهم الخاصّة لما تمّ الاتفاق عليه.
ويأتي استصدار القرار الجديد من مجلس الأمن، ضمن المحاولات الأممية والدولية، والبريطانية على وجه التحديد، لتحصين مسار السويد من الانتكاس والسقوط، خصوصا وأن قائد المسار ليس سوى الدبلوماسي البريطاني المخضرم مارتن غريفيث.
وتزامن صدور القرار الأممي مع بدء جولة جديدة من المباحثات بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين في العاصمة الأردنية عمّان تتركز حول ملف تبادل الأسرى.
وأعلن مكتب المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، عن استمرار اجتماع اللجنة الفنية المكلّفة بمتابعة تنفيذ اتفاق الأسرى اليمنيين، ليومين بحضور غريفيث وممثلين عن لجنة الصليب الأحمر الدولي.
ووصفت حنان بدوي المتحدثة باسم المبعوث الأممي الاجتماع بأنه فني “ويأتي في إطار متابعة تنفيذ نتائج مشاورات السويد، ومستوى الحضور بالنسبة للأطراف اليمنية سيكون من خلال المعنيين أنفسهم بإبرام الاتفاق”.
وقلّلت مصادر في الحكومة اليمنية من إمكانية إحراز أي تقدم في ملف الأسرى نتيجة التسويف الحوثي ورفض الإقرار بعدد كبير من قوائم الأسرى التي تقدمت بها الحكومة اليمنية، إضافة إلى وجود تحفظات حوثية على اشتمال أي صفقة تبادل أسرى على أسماء أربعة من كبار القادة العسكريين والسياسيين المعتقلين لدى الميليشيات الحوثية، وهم وزير الدفاع السابق اللواء محمود الصبيحي، والسياسي محمد قحطان، والقائد العسكري فيصل رجب، وشقيق الرئيس عبدربه منصور هادي اللواء ناصر منصور هادي.
وأشارت مصادر “العرب” إلى أن الحوثيين يسعون لعقد صفقة منفردة في ما يتعلق بالأسماء الأربعة، إضافة إلى رغبتهم في كسب المزيد من الوقت في ملف الأسرى، بحيث يتم تأخير إعلان فشل اتفاقات السويد التي لم يلتزم الحوثيون بأي منها.
وتقوم التكتيكات الحوثية على إرسال إشارات إيجابية في ملف الأسرى الذي يعدّ أقل الملفات تعقيدا، في الوقت الذي يستمرون فيه بتصلبهم في ملف الحديدة، من خلال تصدير تفسيرات متباينة للاتفاق حينا، ومهاجمة رئيس فريق المراقبين الدوليين الجنرال باتريك كاميرت واتهامه بتبني أجندات مشبوهة، أحيانا أخرى.
تكتيك حوثي يقوم على إرسال إشارات إيجابية تُبقي الأمل في مواصلة المسار السلمي دون السماح بالتقدم فيه
وتوقّع الصحافي والباحث السياسي اليمني رمّاح الجبري في تصريح لـ“العرب” أن يواجه ملف الأسرى والمختطفين عراقيل مع التعنّت الحوثي برفض الكشف عن مصير بعض المختطفين في السجون الحوثية بينها قيادات سياسية بارزة وإنكار الميليشيا لوجود مختطفين آخرين في سجونها.
ولفت الجبري إلى أن التعنّت الحوثي في هذا الملف يأتي فيما الميليشيا الحوثية هي المستفيد الأكبر من أي عملية لتبادل الأسرى والمختطفين كونها ستتسلّم أكثر من 7 آلاف من مقاتليها الذين تم أسرهم في الجبهات، بينما ستطلق من سجونها مواطنين اختطفوا من منازلهم ويمكن أن تزجّ بمثلهم أو ضعفهم في سجونها مرة أخرى خلال أيام، خصوصا وأن الاتفاقات مع الحوثي لا تشتمل على ضمانات بعدم اختطاف مواطنين آخرين.
واعتبر مراقبون سياسيون أن استهداف كاميرت، في أعقاب تقديمه لخطة تتضمن انسحاب الحوثيين من الحديدة وموانئها، يأتي في سياق سياسة حوثية لصرف النظر عن المعضلة الأساسية المتعلقة برفضهم الانسحاب من الحديدة وموانئها ومحاولة خلق إشكاليات جزئية لتشتيت نظر المجتمع الدولي وتخفيف الضغط عليهم وكسب المزيد من الوقت من أجل تثبيت سيطرتهم على الحديدة وتعزيز دفاعاتهم العسكرية وتشديد قبضتهم الأمنية.
وبالرغم من حالة الفشل التي تسيطر على اتفاقات السويد وخصوصا الجزء المتعلق بالحديدة، إلا أن دولا فاعلة في مجلس الأمن الدولي تتصدرها بريطانيا تعمل على تثبيت الهدنة الهشة في الحديدة، وتعزيز التواجد الأممي، من دون أن يتوازى ذلك مع أي ضغوط حقيقية على الحوثيين لدفعهم باتجاه الانصياع لاتفاق ستوكهولم والقرارات الدولية ذات الصلة باليمن.
ووقفت بريطانيا وراء الدفع بمشروع القرار إلى مجلس الأمن والذي نصّ على تشكيل بعثة أممية من خمسة وسبعين مراقبا في الحديدة لمدة ستة أشهر تتولى مراقبة وقف إطلاق النار والإشراف على العمليات المفترضة للانسحاب وإعادة الانتشار.
وبموجب القرار ينضم عدد جديد من المراقبين إلى فريق الجنرال كاميرت، سيتولى الانتشار في الحديدة وموانئها الثلاثة، في الوقت الذي تتعثر فيه جهود الجنرال الهولندي المتقاعد لتنفيذ خطته لإعادة الانتشار، نتيجة تعنّت الميليشيا الحوثية التي قاطعت اجتماعات لجنة تنسيق إعادة الانتشار التي عقدت في المناطق المحررة من الحديدة، بينما شارك ممثلو الحكومة اليمنية في اللجنة في الاجتماع الذي عقد في مناطق سيطرة الميليشيا.
وتعتبر الأمم المتحدة أنها تمكنت من تحقيق اختراق مهمّ من خلال تثبيت وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 18 ديسمبر الماضي، لكنّ العديد من المؤشرات تؤكد نفاد صبر الحكومة اليمنية والتحالف العربي إزاء الانتهاكات الحوثية لوقف إطلاق النار والتي كان آخرها قصف مخيم للنازحين في مديرية الخوخة جنوبي الحديدة، ما أسفر عن مقتل خمسة مدنيين وجرح آخرين.
وجاء الهجوم الحوثي في سياق سلسلة من الاختراقات للهدنة تضمنت القصف باستخدام صواريخ باليستية ومهاجمة مواقع لقوات المقاومة المشتركة جنوبي الحديدة، بالتزامن مع خطوات حثيثة للتجنيد وحفر الخنادق وتلغيم المباني.
وطالبت الحكومة اليمنية المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث بجدول زمني لتنفيذ اتفاقات السويد والانسحاب الحوثي من الحديدة وموانئها، انطلاقا من حالة قلق وشكوك تساور الشرعية والتحالف تجاه النوايا الحوثية التي يبدو أنّها أكثر استعدادا لخوض مواجهة عسكرية جديدة من إمكانية التزامها باتفاقات السويد.