غربلة دموية بين فصائل إدلب تحت أنظار تركيا

لا مفر للأكراد من التحالف مع نظام الرئيس بشار الأسد لإفشال خطط أنقرة.
الأحد 2019/01/06
بنادق في خدمة أجندة تركية

دمشق - تراقب القوات التركية بدم بارد المواجهات التي تجري بين الفصائل الإسلامية المتشددة في إدلب في موقف يوحي بأن أنقرة تسمح لهذه الفصائل بغربلة دموية ذاتية بهدف الحصول على جهة قوية تكون ورقتها في مواجهة التغييرات التي يعرفها الملف السوري وخاصة ما تعلق بانتشار قوات النظام في الأماكن الواقعة حاليا تحت نفوذ الأكراد.

يأتي هذا في وقت يلوّح فيه الأكراد بأن لا خيار لهم سوى العودة إلى النظام لحمايتهم من التهديدات التركية.

ورغم ما توحي به المواقف المعلنة لأنقرة بشأن التوافق مع موسكو بشأن تحجيم دور هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا)، فإن التحولات على الأرض تحمل رسائل واضحة على أن تركيا تراهن على قوة الهيئة وقدراتها العسكرية في المرحلة القادمة كونها الطرف الأقوى.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأنّ هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) سيطرت على مناطق كانت خاضعة لحركة نورالدين الزنكي في شمال سوريا بعد معارك استمّرت أربعة أيّام وأدّت إلى مقتل أكثر من مئة مقاتل.

وبحسب المرصد، سيطرت هيئة تحرير الشام على أكثر من 20 بلدة وقرية كانت خاضعة لسيطرة فصائل أخرى.

ومن الواضح أن أنقرة، التي تيقنت من اقتراب لحظات الحسم في الملف السوري بعد إعلان أميركا الانسحاب وتحرك الأكراد للاقتراب من الأسد، تريد جبهة موحدة وقوية بين الفصائل الموالية لها. وطالما أن تلك الفصائل لا يمكن أن تتوحد، فقد أعطت أنقرة الضوء الأخضر للفصيل القوي لإجبار الخصوم على الخضوع له، ومن يعارض تتم تصفيته مثل ما يحصل الآن مع حركة نورالدين الزنكي، ومن يتجاوب يكافأ.

وتقول تقارير ميدانية إن النصرة خصصت مكافأة بـ5 آلاف دولار لمن يلتحق بها من مقاتلي المجموعات الأخرى، خاصة مقاتلي حركة نورالدين الزنكي، التي هزمت وفقدت قياداتها في المواجهة.

والجمعة، أعلن المرصد في بيان أنّ هيئة تحرير الشام تمكّنت من “فرض سيطرتها على مناطق سيطرة حركة نورالدين الزنكي في القطاع الغربي من ريف حلب”.

وتقع المناطق في محافظة إدلب، آخر معقل لمسلّحي المعارضة والجهاديّين الذين يُقاتلون النظام السوري، وفي محافظتي حماة وحلب المجاورتين، في شمال شرق سوريا.

وكانت المعارك اندلعت، الثلاثاء، بعد أن اتّهمت هيئة تحرير الشام حركة نورالدين الزنكي بقتل خمسة من عناصرها.

وتوسعت المعارك، التي كانت محصورة في بادئ الأمر في مناطق فصائل المعارضة في محافظة حلب، إلى محافظتي حماة وإدلب.

ويقول مراقبون إن الترتيبات العسكرية التي تجري بإيعاز تركي وقد تنتهي لفائدة هيئة تحرير الشام، ستضع التفاهمات بين أنقرة وموسكو محل تساؤلات، خاصة أن الأتراك سبق أن تعهدوا بتفكيك التنظيمات المصنفة إرهابية، وسحب الأسلحة الثقيلة منها، وعلى رأس هذه التنظيمات مقاتلو الهيئة.

وقد يساعد الموقف التركي المناور روسيا على تدعيم التقارب بين الأسد والأكراد وتسهيل انتشار قوات النظام في الأماكن التي يسيطرون عليها ومن ثمة إفشال خطط أنقرة.

ريدور خليل: لدينا قواسم مشتركة مع النظام ودخوله إلى منبج غير مستبعد
ريدور خليل: لدينا قواسم مشتركة مع النظام ودخوله إلى منبج غير مستبعد

وشدّد القيادي الكردي البارز في قوات سوريا الديمقراطية ريدور خليل في مقابلة مع وكالة فرانس برس على أن “لا مفرّ من التوصل إلى حل” مع دمشق إزاء مستقبل الإدارة الذاتية الكردية، مشددا على أن هذا الاتفاق يجب أن يشمل بقاء المقاتلين الأكراد في مناطقهم مع إمكانية انضوائهم في صفوف الجيش السوري.

وقال خليل في مدينة عامودا (شمال شرق)، “لا مفرّ من توصّل الإدارة الذاتية إلى حلّ مع الحكومة السورية لأن مناطقها تمثل جزءا من سوريا”.

وبعد عقود من التهميش، تمكن الأكراد خلال سنوات النزاع السوري من بناء إدارتهم الذاتية والسيطرة على نحو ثلث مساحة البلاد. وحصلوا خلال الحرب على دعم عسكري كبير من الولايات المتحدة. لكن قرار واشنطن المفاجئ بسحب جنودها من سوريا دفعهم إلى إعادة حساباتهم.

وقد وجهوا قبل أسبوعين دعوة إلى السلطات السورية لنشر قواتها في مدينة منبج (محافظة حلب، شمال) التي كانت تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية لحمايتهم من تهديدات أنقرة.

وإثر ذلك انتشر المئات من جنود الجيش السوري على خطوط التماس الفاصلة بين قوات “قسد” من جهة والفصائل السورية الموالية لأنقرة من جهة ثانية.

وأشار خليل إلى وجود “مفاوضات مستمرة مع الحكومة للتوصل إلى صيغة نهائية لإدارة شؤون مدينة منبج”، مضيفا “في حال التوصل إلى حلّ واقعي يحفظ حقوق أهلها، فبإمكاننا تعميم تجربة منبج على باقي المناطق شرق الفرات”، الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في محافظة دير الزور.

وتحدث القيادي الكردي عن “بوادر إيجابية” في هذه المفاوضات، موضحا أن “دخول جيش النظام إلى الحدود الشمالية مع تركيا ليس مستبعدا”.

وتابع “لدينا نقاط خلاف مع الحكومة المركزية تحتاج إلى مفاوضات بدعم دولي لتسهيل التوصل إلى حلول مشتركة”، مرحّبا بإمكانية أن تلعب روسيا دور “الدولة الضامنة” كونها “دولة عظمى ومؤثرة في القرار السياسي في سوريا”.

لكنه أشار إلى “قواسم مشتركة” مع دمشق أبرزها “وحدة سوريا وسيادتها على كافة حدودها”، إضافة إلى كون “الثروات (الطبيعية) ملك الشعب السوري”، والاتفاق “على مكافحة الفكر الإسلامي السياسي”.

1