بوادر تسوية بين الطبوبي والشاهد تبعد شبح الإضراب العام

تونس – تلوح بوادر تسوية بين الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) والحكومة برئاسة يوسف الشاهد، ما يبعد شبح الإضراب العام الذي كانت النقابات قد هددت بتنفيذه هذا الشهر احتجاجا على رفض الحكومة الترفيع في الأجور.
وكشف الأمین العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري عن تسجیل تقدّم في مقترحات الحكومة للزیادة في أجور أعوان الوظیفة العمومیة. وأوضح الطاهري وفق ما نشرته الجمعة الصفحة الرسمیة لاتحاد الشغل، أن مقترح الحكومة الجدید الذي قدّمه یوسف الشاهد للأمین العام للاتحاد نورالدین الطبوبي یتمثّل في زیادة تصل كلفتها السنویة إلى 700 ملیون دینار (233 مليون يورو) بعد أن كانت 400 ملیون دینار (حوالي 133 مليون يورو).
وكان الاتحاد نفذ يوم 22 نوفمبر الماضي إضرابا عاما في الوظيفة العمومية، شمل أكثر من 650 ألف موظف إثر تعثر المفاوضات لرفع الأجور. وقرر الدخول في إضراب عام آخر في القطاع العام والوظيفة العمومية يوم 17 يناير. وتواجه تونس ضغوطا من صندوق النقد الدولي للسيطرة على كتلة الأجور بهدف الحد من العجز في الموازنة العامة.
وتعيش تونس منذ أشهر على وقع احتقان اجتماعي بسبب سياسات الحكومة الاقتصادية، وهو ما خلق غضبا في صفوف الموظفين والمدرسين الذين يرفضون إجراء الامتحانات للطلاب احتجاجا على رفض السلطات تنفيذ مطالبهم الاجتماعية. وأعلنت مجموعة من الشباب في تونس عن إطلاق حملة “السترات الحمراء” كحركة احتجاج سلمية للمطالبة بالتغيير.
وأصدر نشطاء بيانا نشر عبر شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، للإعلان رسميا عن إطلاق الحملة على طريقة السترات الصفراء في فرنسا، والشروع في تأسيس تنسيقيات محلية للحملة في الجهات وتأتي هذه الخطوة وفقا للنشطاء، ردا على “الفشل والفساد وغلاء المعيشة والبطالة وسوء الإدارة والهيمنة على مفاصل الدولة واستمرار سياسات التفقير الممنهج”.
الاتحاد يعارض قرارات الحكومة الاقتصادية وخاصة مساعي التفريط في المؤسسات الحكومية لصالح القطاع الخاص
وجاء في البيان “نعلن رسميا، نحن مجموعة من الشباب التونسي، تأسيس حملة السترات الحمراء لإنقاذ تونس في ظل غياب المصداقية والتصور وضبابية الرؤية لدى الطبقة السياسية الحالية، وتعمق الهوة بينها وبين الشعب التونسي”.
وعلى الرغم من نجاح الانتقال الديمقراطي الذي حققته تونس منذ ثورة 2011، إلا أن ذلك لم يترافق مع إقلاع اقتصادي واجتماعي في ظل تفشي البطالة في صفوف الشباب وارتفاع كلفة المعيشة وتعثر الإصلاحات والحرب على الفساد.
واندلعت نهاية السنة الماضية احتجاجات في مناطق تونسية إثر انتحار مصور صحافي حرقا في مدينة القصرين غرب البلاد، وتزامنت هذه الأحداث مع اقتراب إحياء الذكرى الثامنة لإسقاط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 2011. ويحاول الرئيس الباجي قائد السبسي خفض حدة التوتر من خلال إحياء المفاوضات بين أطراف الأزمة، حيث رعى الأسبوع الماضي اجتماعا بين الشاهد والطبوبي ورؤساء الأحزاب المشاركة في الحكومة بالإضافة إلى رئيس منظمة أرباب العمل سمير ماجول.
واعتبر الاجتماع الذي جاء على وقع التناقض في الرؤى بين الأطراف السياسية والاجتماعية والتذبذب الذي اتسمت به مواقف الحكومة والأحزاب الدائرة في فلكها، مؤشرا على مدى خطورة الوضع
في البلاد. وهو ما دفع الرئيس السبسي إلى التحرك، بحثا عن مخرج يُجنب البلاد الانعطاف نحو مأزق حاد قد تكون انعكاساته كارثية في علاقة بالاستقرار الاجتماعي والأمن العام.
والجمعة، استقبل الباجي قائد السبسي نورالدين الطبوبي واستعرض اللقاء الأوضاع الاجتماعية في البلاد ومستجدات المفاوضات في قطاع الوظيفة العمومية.
وأكد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل على الدور المحوري لرئيس الجمهورية في إيجاد الحلول المناسبة للخروج من الأزمة الراهنة وضرورة تكاتف جهود جميع الأطراف لتنقية المناخات الاجتماعية وتخفيض منسوب الاحتقان الذي تشهده العديد من القطاعات.
وأكد الطبوبي أنه ”لا رغبة للاتحاد في التسبب بخسارة اقتصادية للبلاد جراء الإضراب المزمع تنفيذه في 17 يناير الحالي”. ودعا الطبوبي رئيسي الجمهورية والحكومة إلى التدخل بكل الثقل المطلوب واستثمار العلاقات مع المؤسسات المالية الدولية لإيجاد حل لملف الوظيفة العمومية.
وأشار أمين عام اتحاد الشغل إلى وجود إرادة لدى الطرفين النقابي والحكومي للتوصل إلى اتفاق في أقرب وقت في إشارة إلى اللقاء الذي جمعه الخميس برئيس الحكومة.
واتسمت العلاقة بين الاتحاد والحكومة في الأشهر الماضية بالتوتر على خلفية الأزمة السياسية التي عرفتها البلاد، بعدما اصطف الاتحاد إلى جانب حزب تونس الذي دعا إلى ضرورة رحيل الحكومة. ويعارض اتحاد الشغل بشدة قرارات الحكومة الاقتصادية وخاصة مساعي التفريط في المؤسسات الحكومية لصالح القطاع الخاص.