ختان الإناث لم يتوقف في كردستان العراق

القضاء على الظاهرة يتطلب تغيير الأفكار الراسخة، وبعض الفتيات يقضين جراء نزيف بعد الختان.
الخميس 2019/01/03
75 بالمئة من النساء أكدن إصرار أمهاتهن على ختانهن

تواجه فتيات كردستان العراق خطر التعرض للختان كل يوم. ورغم مخلفاته التي تهدد حياة الضحايا، لم تنجح حملات التوعية في القضاء نهائيا على الظاهرة. ويرى الكثير من النشطاء الاجتماعيين أن السبب وراء ذلك يعود إلى الأفكار الراسخة في عقول الجدات والمسنين الذين يحاصرون الأمهات بضرورة مواصلة “المسار”.

شربوتي صغيرة (العراق) - تطرق كردستان رسول على الباب وتصرخ بأعلى صوتها "أعرف أنكم هنا، أريد فقط التحدث إليكم". خلف ذلك الباب، فتاتان تواجهان خطر الخضوع لعملية ختان سبق أن تعرضت لها هذه الكردية التي تنشط يوميا للقضاء عليها.

تخضع 1 بالمئة من العراقيات لعملية ختان، إلا أن هذه النسبة بلغت 58.5 بالمئة عام 2014 في إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي في شمال العراق وعادة ما يحمي حقوق المرأة أكثر.

لكن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) تفيد بأن عدد النساء اللواتي خضعن للختان في انخفاض. فهذا التقليد يطال اليوم 37.5 بالمئة من الكرديات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة.

بيد أن كردستان رسول البالغة 35 عاما والتي يغطي رأسها حجاب زهري اللون، تعتبر أن هذا الرقم لا يزال عاليا جدا.

تزور رسول بانتظام البلدات والقرى في منطقتها، وتكرر بلا كلل أن الإسلام لا يوجب الختان، وأن هذه العملية قد تؤدي إلى التهابات والإصابة بصدمة.

بعد سنوات من التعبئة والحملات، أقرت السلطات الكردية العراقية في 2011 قانونا يحظر الختان وينص على عقوبة بالسجن

تعود هذه الناشطة في منظمة “وادي” غير الحكومية للمرة الخامسة والعشرين إلى قرية شربوتي صغيرة في شرق أربيل، كبرى مدن كردستان العراق. وفي مسجد القرية، تكرر تحذيراتها أمام نحو عشر نساء.

حين تخبرها إحداهن أن جارتها تريد ختان ابنتيها، تهرع رسول إلى منزلها على الفور. لكن في ذلك اليوم، ورغم إصرارها، بقي الباب مغلقا.

تقول رسول لوكالة فرانس برس “نحن نعمل على تغيير العقليات، وبالتالي الأمر صعب”. وبعد سنوات من التعبئة والحملات، أقرت السلطات الكردية العراقية في العام 2011 قانونا يحظر الختان وينص على عقوبة السجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات وغرامة قدرها 80 ألف دولار. وقد بدأت الأرقام بالتراجع منذ ذلك الحين.

ضحايا عمليات ختان الإناث، التي تتم عادة في سن الرابعة أو الخامسة في العراق، يعانين بعدها لسنوات عدة، بدءا من نزيف وانعدام شبه تام للإحساس لدى ممارسة الجنس ووصولا إلى المعاناة أثناء الولادة والاكتئاب اليومي.

وتموت بعض الفتيات أحيانا جراء التهابات أو نزيف بعد الختان.

تقول شكرية التي تبلغ 61 عاما، عن العملية التي خضعت لها قبل أكثر من 50 عاما “شعرت بألم وبكيت كثيرا. كنت مجرد طفلة، ولا أستطيع أن ألوم أمي”. وهي أخضعت بناتها الست، وأصغرهن عمرها 26 عاما، لعمليات ختان، لكن هؤلاء رفضن إجراء الختان لبناتهن.

وأقدمت زينب البالغة 38 عاما والتي رضخت للضغط الاجتماعي، على ختان ابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات، قبل ثلاث سنوات. وتقول بنبرة متوترة “كنت خائفة جدا إلى درجة أنني بقيت بعيدة”.

بعد دخول منظمة “وادي” وبدء حملات التوعية، رفضت زينب ختان ابنتيها الأخريين “في ذلك الوقت قبلت، لكنني لن أفعل ذلك بعد الآن (…) أنا نادمة ولكن ماذا عساي أفعل الآن؟”. كلمات زينب تصيب قلب رسول التي تحافظ على رباطة جأشها.

تقول لوكالة فرانس برس “الشباب، من نساء ورجال، موافقون جميعا على إنهاء ختان النساء، ولكن بمجرد مغادرتنا، تأتي النساء المسنات لتقول لهم ‘انتبهوا من هذه المنظمة التي تريد افتعال مشاكل’”.

وتضيف رسول أن الختان في الأساس قصة “نساء في وجه نساء”، معتبرة أن “هذا عنف يرتكبنه بأيديهن".

وجاء في دراسة أجرتها “يونيسف” عام 2014، أن 75 بالمئة من النساء يؤكدن أن أمهاتهن أصرين على ختانهن. وعليه، فإن “قانون عام 2011 لا يطبق لأن الفتيات لا يتقدمن بشكاوى ضد أهلهن”، بحسب بروين حسين التي ترأس وحدة مكافحة ختان النساء لدى السلطات الكردية.

وأفلتت حسين شخصيا من الختان في اللحظة الأخيرة، حين سحبتها أمها من بين يدي القابلة، بعدما أحست بالندم. لكنها تؤكد أن إقليم كردستان سيعزز القانون وحملات التوعية عام 2019.

وفي هذا الإطار، ترى إيفانا تشابكاكوفا خبيرة العنف الجنسي لدى “يونيسف”، أن الظروف باتت ملائمة الآن للقضاء على ختان النساء، خصوصا في أعقاب هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق.

العراق

وتعتبر أنه الآن يمكن لوكالات ومنظمات الأمم المتحدة، التي بدأت عملها منذ عام 2014 لحماية العراقيين من تهديد التنظيمات المتطرفة، “التركيز على الختان لجعله ذكرى من الماضي في كل أنحاء العراق".

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد تبنت قرارا يحث الدول على حظر ختان الإناث، واصفة إياه بأنه “انتهاك لا يمكن إصلاحه” يهدد نحو ثلاثة ملايين فتاة سنويا. ويطالب القرار غير الملزم قانونا، 193 دولة عضوا في الأمم المتحدة “باتخاذ كل الإجراءات اللازمة بما في ذلك سن وتنفيذ تشريع يحظر ختان الإناث ويحمي النساء والفتيات من هذا السلوك الذي يعد شكلا من أشكال العنف".

وأبدى القرار الذي تمت الموافقة عليه بالإجماع القلق كذلك من وجود “أدلة على زيادة في حالات ختان الإناث التي يجريها عاملون في المجال الطبي”.

وأكدت دراسة سابقة قامت بها صحيفة “نايتشر إيكولوجي آند إيفوليوشن” العلمية أن “تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية” يسير وفقا لمنطق تطوري لا بد من مقاومته بوسائل ثقافية أساسا وليست بيولوجية.

وأوضح الباحثون الذين أشرفوا على هذه الدراسة أن فهم الدوافع الثقافية لعملية ختان الإناث قد يساعد في تحقيق هدف الأمم المتحدة في القضاء على هذه الظاهرة في جميع أنحاء العالم في الموعد الذي حددته لتحقيق الهدف، وهو عام 2030. ومن خلال مقارنة عقدها الباحثون بين 47 جماعة عرقية في خمس دول أفريقية، توصلت الدراسة إلى أنه في الجماعات التي يعد فيها الختان هو القاعدة وعدمه هو الاستثناء، كانت أعداد الفتيات الناجيات أكثر حال مرور الأم بتجربة الختان.

وذكر تقرير للأمم المتحدة أن أكثر من 200 مليون امرأة في 30 بلدا في العالم يعانين من تداعيات عمليات الختان، ورغم العقوبات المشددة ضد المخالفين لقرارات المنع، لا تزال مجتمعات أفريقية كثيرة تمارس هذه الظاهرة بحجة التقاليد.

وتعرّف منظمة الصحة العالمية ختان الإناث “أي عملية تتضمن إزالة جزئية أو كلية للأعضاء التناسلية الأنثوية من دون وجود سبب طبي”. وينظر إلى هذه العادة حاليا في مجتمعات عديدة على أنها أحد أبرز أشكال التمييز الجنسي والعنف ضد المرأة، وأنها محاولة للتحكّم بالحياة الجنسية للمرأة، فيما تشيع النظرة في بعض المجتمعات إلى هذه الظاهرة على أنها من علامات الطهارة والعفة.

21