طالبان تستثمر التراجع الأميركي في تحسين شروط مفاوضات السلام

مراقبون يؤكدون أن ترامب منح طالبان نصرا دون مقابل، وواشنطن تستكشف فرص السلام بتأجيل انتخابات الرئاسة في أفغانستان.
الجمعة 2018/12/28
قلق في كابول من انسحاب يقوي شوكة الخصوم

صعدّت حركة طالبان لهجتها تجاه الولايات المتحدة عقب قرار الرئيس دونالد ترامب تخفيض عدد قوات بلاده في أفغانستان، في محاولة لاستثمار التراجع الأميركي في تحسين شروط مفاوضات السلام، فيما يؤكد مراقبون أن واشنطن أهدت طالبان نصرا دون مقابل.

كابول – حذّرت حركة طالبان الخميس الولايات المتّحدة من أنّها ستلقى مصير الاتحاد السوفييتي الذي هزم في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي إذا لم تنسحب كليّا من هذا البلد، وذلك بُعيد أيام من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب خفض عدد قواته في أفغانستان.

ويجمع جلّ المتابعين للشأن الأفغاني أن الولايات المتحدة أهدت حركة طالبان نصرا دون مقابل، ما دفع الحركة التي تسيطر على مناطق كثيرة في البلاد إلى استثمار “الهبة الأميركية” غير المنتظرة في مزيد الضغط نحو تحسين شروط مفاوضات السلام.

ولا يخفي الرئيس الأميركي دونالد ترامب رغبته في إنهاء تواجد قواته على الأراضي الأفغانية حتى على حساب حلفائه، فيما ندّد جنرالات أميركيون بخطط تخفيض عدد القوات، معتبرين ذلك مسّا من هيبة واشنطن وسمعتها في العالم.

وقالت الحركة في بيان بمناسبة الذكرى الـ39 للغزو السوفييتي لأفغانستان إنّ القوات الأميركية تعرّضت لـ”إهانة” ويمكن أن “تتعلم درساً كبيراً” من خبرة غريمها السابق في الحرب الباردة.

وانسحب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان في العام 1989، بعد عشر سنوات من الاحتلال ما أطلق حربا أهلية دامية هيّأت المجال لظهور طالبان نفسها.

وقال المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد في بيان مخاطبا الساسة الأميركيين “خذوا حذركم من هزيمة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان وتخلّوا عن فكرة اختبار معدن الأفغان”. وتابع مجاهد أنّ أي علاقات مستقبلية بين طالبان والولايات المتحدة يجب أن تكون على أساس “مبادئ دبلوماسية واقتصادية سليمة” عوضا عن النزاع، حيث قتل 13 أميركيا في أفغانستان خلال العام 2018. ولم تعلق طالبان رسميا على أنباء اعتزام ترامب سحب نصف الجنود الـ14 ألفا المنتشرين في أفغانستان لمحاربة حركة طالبان، لكن قائدا كبيرا في طالبان أبلغ وكالة فرانس برس أنّ الحركة “سعيدة للغاية” بالقرار.

ذبيح الله مجاهد: القوات الأميركية تعرّضت لإهانة كبيرة ويمكنها تعلم الدروس من السوفييت
ذبيح الله مجاهد: القوات الأميركية تعرّضت لإهانة كبيرة ويمكنها تعلم الدروس من السوفييت

وتصرّ الحركة منذ زمن طويل على انسحاب القوات الأجنبية كشرط مسبق للمشاركة في مباحثات السلام.

وفي حين لم يعلن رسمياً عن تخفيض عدد القوات الأميركية، إلا أن مجرد اقتراح الولايات المتحدة بتقليص وجودها العسكري أحدث ضجة وصدمة في العاصمة الأفغانية، وربما قوّض جهود السلام.

وجاء القرار في حين التقى زلماي خليل زاد مبعوث السلام الأميركي مع حركة طالبان في أبوظبي في إطار جهود لإحضار الحركة إلى طاولة المفاوضات مع كابول.

ويخشى مراقبون أن يضعف قرار ترامب الموقف التفاوضي لخليل زاد، وأن يرفع من جهة معنويات طالبان ويثبط من جهة أخرى عزيمة القوات الأفغانية التي تتكبّد خسائر بشرية فادحة جرّاء هجمات الحركة، حيث يتخوّف بعض الأفغان من سقوط الحكومة الأفغانية وعودة الحرب الأهلية إلى البلاد.

ورغم جهود المجموعة الدولية لإنهاء الحرب المستمرة منذ 17 عاما في أفغانستان منذ التدخل الأميركي عام 2001 الذي أطاح بنظام حركة طالبان، واصل المتمرّدون تكثيف هجماتهم ضد قوات الأمن الأفغانية عام 2018.

واستضافت العاصمة الإماراتية أبوظبي مؤخرا جولة محادثات، أعطت زخما جديدا لمفاوضات السلام بين طالبان وواشنطن، إذ قبلت الحركة بوقف إطلاق النار بعد حصولها على ضمانات إماراتية سعودية وأيضا باكستانية.

وقال مسؤولون من طالبان تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم إن الوفد الأميركي يضغط من أجل وقف لإطلاق النار مدته ستة أشهر، بالإضافة إلى اتفاق على ممثّلين لطالبان في حكومة تسيير أعمال مستقبلية.

وقال المسؤولون إن طالبان، التي تقاتل لإخراج القوات الأجنبية من أفغانستان وتطبيق تفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية، تقاوم وقف إطلاق النار، إذ تعتقد أنه سيضر بقضيتها ويساعد القوات الأميركية والأفغانية.

وأكد مسؤول بارز من الحركة “إذا أصبحت هذه الدول الثلاث، السعودية والإمارات وباكستان، ضامنة وإذا نصبت الولايات المتحدة رئيسا نرشحه نحن لحكومة تسيير الأعمال في أفغانستان، فإننا سنفكر في وقف إطلاق النار”.

ورغم إصرار الولايات المتحدة على أن التسوية السلمية يجب أن يجري الاتفاق عليها بين الأفغان، رفضت طالبان إجراء محادثات مباشرة مع مسؤولين من حكومة كابول التي تعتبرها الحركة غير شرعية ومفروضة من الخارج.

وتقول الولايات المتحدة إن هدف المحادثات هو تسهيل عملية يقودها الأفغان، حيث يعكس إشراك السعودية والإمارات وباكستان في المحادثات رغبة واشنطن في دمج دول مهتمة بأفغانستان.

وأعلنت مفوضية الانتخابات الأفغانية، الأربعاء، تأجيل الانتخابات الرئاسية، التي كانت مقررة في أبريل المقبل، إلى عدة أشهر، فيما تشير تقارير إعلامية إلى أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب دفعت في هذا الاتجاه بعد دخولها في مفاوضات سلام مع حركة طالبان.

ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن مسؤول في الإدارة الأميركية أن المبعوث زلماي خليل زاد عرض على قادة حكومة الوحدة الوطنية والسياسيين الأفغان الذين التقاهم في كابول بأن أحد الخيارات التي تبحث في واشنطن لإنهاء الحرب هي تعليق الانتخابات الرئاسية.

وبحسب الصحيفة، فإن الخطط التي يعكف المسؤولون الأميركيون في واشنطن على دراستها تظهر رغبة إدارة الرئيس دونالد ترامب من أجل إيجاد حلّ سياسي وتسوية تنهي ثاني أطول حرب في التاريخ الأميركي.

وأضافت وول ستريت جورنال عن دبلوماسي غربي لم تكشف عن اسمه، أن الخيار الآخر هو أن يسمح الأميركيون إقامة الانتخابات، لكن بشرط أن تُسفر عنها حكومة انتقالية تعمل لحين تشكيل حكومة ائتلافية تضم في ثناياها حركة طالبان أيضاً.

ويبقى الخيار الثالث المطروح للنقاش، بحسب الصحيفة، هي الدعوة إلى التئام المجلس الوطني الأعلى، الأمر الذي يستسيغه عدد من السياسيين الأفغان البارزين في مقدمتهم الرئيس السابق حامد كرزاي، وانتخاب حكومة انتقالية مهمتها رسم الخطط في سبيل إنهاء الصراع الأفغاني.

5