استثمار الثروات الطبيعية السودانية متوقف حتى إشعار آخر

معظم القطاعات الحيوية تائهة في دروب السياسات المرتبكة، والمواطنون يلقون بكرة الاحتجاجات الملتهبة بوجه الحكومة.
الجمعة 2018/12/28
موارد استراتيجية مهدورة

عكست حالة الاحتقان الاجتماعي المتصاعدة في السودان مع اقتراب العام الجديد مدى تخبط السلطات في معالجة الأزمات الاقتصادية المتراكمة منذ عقود، خاصة وأن معظم خبراء الاقتصاد يرون الدولة على أنها أحد الأماكن الزاخرة بالثروات الطبيعية، والتي لم تجد من يستغلها حتى الآن بالشكل الصحيح.

الخرطوم – تتجه الأنظار إلى السودان هذه الأيام للوقوف على تلة الأوضاع الاقتصادية السيئة، بعد أن رمى المواطنون بكرة الاحتجاجات الملتهبة في وجه الحكومة بسبب تقاعسها في معالجة الأزمات المزمنة منذ سنوات طويلة.

وتعيد المظاهرات الشعبية التي تفجرت الأسبوع الماضي للمطالبة بإنصافهم اقتصاديا ومعيشيا طرح نفس المشكلات كون السودان إحدى أبرز الدول الزاخرة بالثروات الطبيعية والموارد، والتي تؤهله لأن يكون إحدى الدول الواقع عليها توفير الأمن الغذائي في العالم.

ويعاني السودان من متاعب اقتصادية حادة بسبب التقلبات السياسية للحكومات المتعاقبة للرئيس عمر البشير، التي لم تجد الاستراتيجية الملائمة للخروج من الدائرة المفرغة للأزمات المتلاحقة.

وبينما تمتلك البلاد ثروات طبيعية هائلة، لم تتمكن كل الحكومات التي تقلدت السلطة منذ الاستقلال عن المملكة المتحدة في 1963 من استغلالها على النحو، الذي يحقق قفزات سنوية في الناتج المحلي الإجمالي، ويعود بالنفع على السكان.

ولدى السودان مقومات زراعية هي الأكبر في المنطقة العربية، بواقع 175 مليون فدان صالحة للزراعة، إلى جانب مساحة غابية تقدر بحوالي 52 مليون فدان.

معتز موسى: الأزمة سببها الاختلالات والتراكمات التاريخية من بينها الدين الخارجي
معتز موسى: الأزمة سببها الاختلالات والتراكمات التاريخية من بينها الدين الخارجي

ورغم كل المحاولات لجذب الاستثمارات في القطاع، لكن الخرطوم عجزت عن الاستفادة من الأموال المتدفقة إليها وزيادة احتياطاتها النقدية من العملة الصعبة، التي تعد من بين الأضعف بين الدول العربية بواقع مليار دولار، بحسب أحدث بيانات صندوق النقد الدولي.

وفي الشق الحيواني، يتمتع السودان بقرابة 102 مليون رأس من الماشية، تتحرك في مراع طبيعية، تُقدر مساحتها بنحو 118 مليون فدان، فضلا عن معدل أمطار سنوي يزيد عن 400 مليار متر مكعب.

وأقر رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية، معتز موسى، الأسبوع الماضي بأن الأزمة الاقتصادية، التي تعاني منها بلاده، تعود إلى اختلالات وتراكمات تاريخية من بينها تراكم الدين الخارجي.

وأشار موسى، في مؤتمر صحافي، حينها إلى أن الدين الخارجي لبلاده بلغ 56 مليار دولار حتى نهاية العام الجاري، وأثّر على مفاصل الاقتصاد وعلى قدرتها استغلال مواردها الكامنة.

ومعظم المسؤولين وخبراء الاقتصاد في السودان مقتنعون بأن هناك حلقة مفقودة في إدارة الأزمة وأن الارتباك السياسي قد أثر كثيرا على الدولة التي كانت ترزح تحت احتياطات نفطية كبيرة قبل انفصال الجنوب في عام 2011.

ويؤكد الأمين العام لشعبة مصدري الصمغ العربي، نادر الهلالي، على عدم قدرة السودان على استغلال موارده الطبيعية في صناعة اقتصاد قوي.

ونسبت وكالة الأناضول للهلالي قوله إن “هناك الكثير من الموارد غير المستغلة، تتمثل في الموارد الزراعية والحيوانية والثروات المعدنية، مثل الذهب، إلى جانب الثروة البشرية”.

وبلغ إنتاج السودان من الذهب العام الماضي 105 أطنان، شكل التعدين المحلي منه حوالي 80 بالمئة، وفق إحصائيات حكومية.

وأضاف الهلالي أن “المستغل من الأراضي الزراعية في السودان في الوقت الحالي يقدر بنحو 45 بالمئة فقط من جملة المساحات المتاحة للزراعة.

وأشار إلى مصادر المياه العذبة والموقع الجغرافي، الذي يتمتع به السودان في قارة أفريقيا، حيث يعتبره ضمن الموارد غير المستغلة.

ويبرر البعض عدم قدرة السودان على استغلال موارده، إلى عدم رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب على الرغم من إعلان الولايات المتحدة، العام الماضي، رفع الحصار الاقتصادي عن كاهله.

هيثم محمد فتحي: السودان غير قادر على استغلال موارده الطبيعية في صناعة اقتصاد قوي
هيثم محمد فتحي: السودان غير قادر على استغلال موارده الطبيعية في صناعة اقتصاد قوي

ويشكل إيقاف التحويلات المصرفية الخارجية، بسبب امتناع المصارف العالمية من التعامل مع السودان، فضلا عن عدم قدرة المستثمرين على الدخول في الاستثمار لاستغلال الموارد الطبيعية، صداعا مزمنا في رأس الحكومة.

وحرمت العقوبات الاقتصادية الأميركية، التي كانت مفروضة على الخرطوم منذ 1997، المصارف السودانية من استقبال أو إرسال أي تحويلات خارجية عبر المصارف، وفرضت عقوبات على المخالفين.

ولم يشمل قرار واشنطن برفع العقوبات الاقتصادية عن الخرطوم، رفع اسم السودان من قائمة الخارجية الأميركية للدول الراعية للإرهاب، المدرجة عليها منذ 1993.

في المقابل، يتفق المحلل الاقتصادي، هيثم محمد فتحي، مع ما يراه الهلالي في أن الحكومات المتعاقبة لم تستطع استغلال موارد البلاد الاستغلال الأمثل.

وأشار إلى أن ضعف الإنتاجية في القطاع الزراعي أثر سلباً على قيمة الناتج المحلي الإجمالي. وعزا الأمر إلى عدم الاستقرار السياسي والأمني، والمشاكل والحروب التي عانت منها البلاد.

وتعتبر الأوساط الاقتصادية أن انفصال جنوب السودان كان بداية الأزمة الاقتصادية، حيث فقدان السودان 75 بالمئة من موارده النفطية، والتي تعد 80 بالمئة من موارد النقد الأجنبي و50 بالمئة من إيراداته العامة في السابق.

ولدى الخبير فتحي قناعة راسخة بأن السياسات الاقتصادية المضطربة أثرت على قدرة المنتجين على الاستثمار في القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية وأضعفت التمويل.

11