"العالم الجوراسي2" مغامرات ورعب من أجل إنقاذ كائنات خرافية

تشكل سينما الكائنات الخارقة والمنقرضة نوعا جديرا بالأهمية في سينما الخيال العلمي، من هذه الكائنات مثلا الديناصورات المنقرضة التي سوف تقسم البشر بين مدافع عنها وبين عدو لها، وفي كلتا الحالتين كان عنصر المغامرة هو الأبرز في معالجة هذا النوع من الأفلام.
هناك جمهور عريض يجد متعة كبيرة في مُشاهدة سينما الخيال العلمي التي تعنى بالكائنات الخارقة والمنقرضة، خاصة تلك المتعلقة بالديناصورات، ولهذا أصابت نجاحا مشهودا، بل شكلت علامة فارقة في هذا النوع من الأفلام، وبسبب هذا النجاح الكبير تحولت إلى سلسلة من الأفلام ابتدأت بالفيلم الأهم “الحديقة الجوراسية” الذي أخرجه ستيفن سبيلبيرغ في العام 1993.
كان ذلك هو التأسيس الحقيقي للمتعة الجمالية ولروح المغامرة والتي بنيت عليها الأفلام اللاحقة تباعا، إذ عبر هذا الفيلم حاجز البليون دولار من الإيرادات، وقدم لأول مرة مجسما كاملا لتلك الكائنات الخرافية وتحريكها أمام شاشة الكروما، فيما كان الأسلوب السابق هو صنع مجسمات صغيرة وتحريكها تباعا مع إدماج الشخصيات البشرية في الصورة باستخدام المؤثرات الخاصة.
والحاصل أن سبيلبيرغ وأعضاء فريقه قدموا شكلا فيلميا على قدر كبير من الاتقان سواء من ناحية الصورة الأكثر إقناعا أو من ناحية الصورة التي تمت معالجتها بطريقة منحت هوية لتلك الكائنات الخرافية، وحصل الفيلم على ثلاث جوائز أوسكار لأفضل صوت ومؤثرات بصرية وصوتية. وكان نجاح الفيلم دافعا لإنجاز أفلام أخرى وهي: فيلم “الحديقة الجوراسية-العالم المفقود” (1997)، وفيلم “الحديقة الجوراسية- الجزء الثالث” (2001)، وفيلم “العالم الجوراسي” (2015) وأخيرا فيلم العالم “الجوراسي- المملكة الزائلة” (2018) والذي نحن بصدده الآن للمخرج جي أي بايونا.
وفي هذا الفيلم سوف يتم البناء على الكثير من أحداث السلسلة، وسوف نكون في مواجهة معضلة بيئية تتمثل في وجود الديناصورات التي تكاثرت سواء بالاستنساخ أو بشكل طبيعي، وكلها تعيش في جزيرة نائية بالقرب من كوستاريكا وسوف توشك على الهلاك بسبب تفجر أحد البراكين المدمرة مما يضع قضية إنقاذ تلك الكائنات على المحك.
ركوب موجة المخاطرة مهما كانت نتائجه قاد شخصيات الفيلم إلى مواجهات متصاعدة على أساس الإرادات المتقاطعة
تجتمع الحكومة الأميركية في جلسات استماع لمناقشة ما عليها فعله، ويصبح الحدث عالميا بامتياز تهتم به وسائل الإعلام وتكرس له جماعات البيئة والدفاع عن الحيوانات أهمية قصوى، وفي الأخير تقرر الحكومة الأميركية النأي بنفسها وترك تلك الكائنات تواجه مصيرها.
وسوف تبرز هنا كلير (الممثلة بريس هوارد) باعتبارها مدافعة عن الحيوان، وخاصة قيادة حملة لحماية الديناصورات من الانقراض لينضم إليها صديقها أوين (الممثل كريس برات) وآخرون.
ومع تصاعد الأحداث سوف تتشابك إرادات متعارضة ومتداخلة، وكل منها لها مصالحها الخاصة، ومن خلال تلك القوى المؤثرة يتم بناء خطوط السرد الفيلمي بعناية من خلال بروز طبقة أثرياء يسعون للاستثمار في تلك المحمية.
ولأن عنصر المغامرة والمخاطر والعنف والرعب هو من عناصر نجاح هذه السلسلة، فإن هذا الفيلم لن يخرج عن هذه القاعدة، إذ نشاهد كلير وقد تم زجها في عمق الدراما الفيلمية، وهي تصبح بصحبة زملائها وجها لوجه مع الديناصورات ووسط البراكين.
وخلال ذلك عمد المخرج إلى الزج بحبكات ثانوية عززت الدراما الفيلمية من خلال اكتشاف حقيقة أن هنالك مستثمرين ورجال أعمال ينتظمون في مؤتمر لمناقشة قضية الديناصورات والمحميات الطبيعية، ولكنهم في الحقيقة يدخلون في مزاد علني لغرض الفوز بتلك الكائنات التي تم حبسها في حاويات ضخمة ومحكمة، وستكون مهمة كلير ومجموعتها هي تحريرها من ذلك الأسر وإعادتها إلى حياتها الطبيعية.
وتتطور المهمة والمغامرات التي حفل بها الفيلم أكثر فأكثر حين تلقي الحكومة الأميركية بثقلها لتتبع مسارات تلك القضية، فتزج بحراس مدججين بالسلاح وطائرات مروحية مما يصعد الأحداث ويزيد من مشاهد المواجهات.
ولا شك أن عنصر الحركة والتشويق والمغامرة كان علامة فارقة في هذا الفيلم، فركوب موجة المخاطرة مهما كانت نتائجه قاد الشخصيات إلى مواجهات متصاعدة على أساس الإرادات المتقاطعة، إذ أن كل فريق كان يريد الوصول إلى أهدافه في تلك الدراما.
ولعل الملفت للنظر هو البناء على بعض الثيمات التي احتوتها الأفلام السابقة من السلسلة، حيث تطورت صورة الديناصورات إلى كائنات يمكن التعامل معها، فظهرت أكثر واقعية وإقناعا من كونها مجرد دمى تم تضخيمها بالخدع السينمائية.
وتتسع مساحة المغامرة مع تصاعد الأحداث حتى تشمل بيئات متعددة، وبذلك حفل الفيلم بانتقالات مكانية من مناطق البراكين إلى الجبال والغابات، وصولا إلى البحار، وكان من المشاهد المصنوعة بعناية دخول كلير وصديقها في ما يشبه الكرة الزجاجية التي تغوص في البحر لنكتشف وجود كائن عملاق آخر من البرمائيات.
واستخدم المخرج جي أي بايونا إمكانات الصورة على نطاق واسع، بما في ذلك الخدع البصرية والانتقالات السريعة والمونتاج وزوايا التصوير ليقدم بناءً بصريا متكاملا عمّق متعة المشاهدة ومنح الفيلم قدرا من الإقناع.
وفي المقابل، سوف نلاحظ أن هذه السلسلة مع تتابع الأفلام التي تعالج الثيمة ذاتها سوف تدخل في نمطية من الصعب الخروج منها، لا سيما مع وجود مشروع لإنتاج جزء أو ربما أجزاء أخرى من هذه السلسلة.