حديقة أحلامها

عباس يوسف رسم كل شيء وبقي حائرا في عنوان الكتاب، الرسام البحريني لا يخيفه الشعر، بل إنه يسعى إلى قهره بقوة الغرام، فهو لا يراهن على ما يظهر من الصورة، بل على ما تخبئه تلك الصورة من خيال ماكر، لقد سبق له وأن اجتاز عتبة الشعر وتعرف على حدائقه السرية.
هو رجل صاحب تجربة في ذلك المضمار، ولأنه جاء إلى الرسم من الخط، فإنه قادر على أن يلتقط الموسيقى قبل أن تقع، يرسم الكلمة باعتبارها مجموعة متلاحقة من دقات جرس علقته الطبيعة في رقبة طائر، كل حرف هو نقرة منقار، الأنوثة تغلب، في الشعر كما في الرسم تطارد الصور أنثى غائبة أو هي على وشك الغياب، لذلك اختار يوسف “حديقة أحلامها” عنوانا لمشروعه الفني ــ الشعري القادم.
وهو في ذلك إنما يستجيب تماما لمفهوم الشعر كونه صوتا قادما من الخفاء، ولأنه يملك من العدة ما يؤهله للتعامل مع الشعر، فقد وضع معادلته الجمالية بين قطبي الشفافية والكثافة، وهما أكثر ما يحتاجه التعامل مع الشعر من جهة متعته.
وإذا ما كان عباس يوسف قد أدرك أن الرسم بشفافيته يستطيع الوصول إلى أكثر مواقع الشعر كثافة، فإنه في الوقت نفسه عرف كيف يستدرج شفافية الكلمات إلى المواقع التي يكثف فيها الرسم صوره.. لم يفكر بالصورة باعتبارها مقابلا للكلمة، بقدر ما سحره أن يكون للاثنين إيقاع منسجم.
ولأنه لا يزال يعيش في مختبر الكتابة ناقدا فنيا، فإن خيالي الصورة والكلمة هما الشيء نفسه بالنسبة له، إنه يفكر بطريقة مزدوجة. يرسم ليكتب فيما يقف الرسام حارسا لكلماته التي لا تفارق سلم الموسيقى، يفكر في “حديقة أحلامها” وهو كتابه الفني الذي سيكون مفتاحا لمعرض ينوي إقامته في غير بلد عربي، وهو ما يهبه سعادة أنه التقط مرة أخرى شاعرا من خفائه ليظهره على الملأ خارج كونه ظاهرة صوتية، عرف يوسف كيف يحول الأصوات إلى صور.