نظام الرعاية الصحية اللبناني يغرق في مستنقع الديون

نقابة المستشفيات تحذر مما آلت إليه الأمور في القطاع من تدهور بفعل حجب مدّه بالسيولة النقدية اللازمة المرتبطة بمستحقات له قديمة بذمة البعض من الهيئات الضامنة الرسمية.
الأربعاء 2018/11/28
غياب أدوات معالجة الأزمات المزمنة

أطلق نظام الرعاية الصحية في لبنان صافرات الإنذار من تدهور الخدمات في ظل صمت الجهات الرسمية عن إيجاد مخرج للأزمة، التي تتفاقم بوتيرة سريعة أدت إلى إغراق المستشفيات في مستنقع الديون وتعمق مشاكل الصناديق الاجتماعية.

بيروت- ألقت التحديات الكبيرة التي تواجه نظام الرعاية الصحية اللبناني بظلال قاتمة على القطاع الذي يبحث عن بوصلة تعدّل مساره وتنقذه من المشكلات المزمنة المتراكمة منذ سنوات.

وحذّرت نقابة المستشفيات في بيان أمس مما آلت إليه الأمور في القطاع من تدهور على الصعيد المالي بفعل حجب مدّه بالسيولة النقدية اللازمة المرتبطة بمستحقات له قديمة بذمة البعض من الهيئات الضامنة الرسمية، والتي بلغت أكثر من مليار دولار.

واعتبرت النقابة أن الرسوم المعمول بها حاليا هي دون أدنى المستوى المطلوب للخدمات التي توفرها المستشفيات، بموازاة تراكم ديونها لدى الموردين للأدوية والمستلزمات الطبية.

وكان الموردون قد أبلغوا القطاع في وقت سابق هذا العام بإيقاف التسليم بانتظار سداد فواتيرهم في ظل المتطلبات مرتفعة الكلفة لمواكبة المعايير الطبية العالمية.

عاصم عراجي: مشكلة النظام الصحي هي تعدد الجهات المقدمة للخدمات فلكل منها آلياته
عاصم عراجي: مشكلة النظام الصحي هي تعدد الجهات المقدمة للخدمات فلكل منها آلياته

ونسبت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية لنقيب المستشفيات سليمان هارون قوله إن “المستشفيات تعاني حاليا من ارتفاع الفوائد على الحسابات المدينة لدى المصارف والتي بلغت في حدها الأدنى 10 بالمئة على الدولار و16 بالمئة على الليرة”.

وأوضح أن حجم الديون المستحقة للمستشفيات تضطرها للاستدانة من المصارف حتى تؤمن مدفوعاتها من رواتب موظفين وشراء الأدوية والأمصال والمستلزمات الطبية وأعمال الصيانة.

ومن الواضح أن المستشفيات لم يعد بإمكانها “الاستمرار بهذا الوضع الشاذ”، كما يؤكد هارون، خاصة وأن النقابة كانت قد حذّرت مرارا منذ بداية العام الجاري من ارتفاع كلفة توليد الطاقة الناتجة عن تقنين استخدام التيار الكهربائي.

وتعاني البلاد منذ سنوات من مشكلة في الكهرباء نتيجة السياسات الحكومية الضعيفة في هذا القطاع، ما تسبب في احتقان اجتماعي لم يلق صدى بالشكل المطلوب نظرا إلى غياب حكومة تدير الدولة.

وتنعكس الضغوط المتزايدة المسلّطة على المستشفيات الحكومية والخاصة في نهاية المطاف على المواطنين، الذين يجدون أنفسهم في مواقف صعبة بسبب ارتفاع خدمات الرعاية الصحية وأحيانا غيابها بشكل كامل نتيجة نقص الأدوية.

وتقول النقابة إن تسريع وتيرة دفع مستحقاتها وتعديل رسوم الخدمات الصحية كي تكون منسجمة مع الكلفة الحقيقية، سينقذان المستشفيات من أزمتها مؤقتا لحين وضع خطة إنقاذ طويلة المدى. وتقرّ السلطات بعجزها عن حل أزمة القطاع الصحي خاصة بعد أن ظهرت أعراضه أيضا على صناديق التأمين الصحي نتيجة الاختلال في توازناتها المالية.

وأكد وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل في المؤتمر الوطني الأول لجمعية الطاقة اللبنانية للصحة بعنوان “تحديات النظام الصحي اللبناني” المنعقد مطلع هذا الشهر إن “القطاع الصحي في لبنان مريض”. ولفت حينها إلى أنه “لا مبرر لوزارة الصحة في أي دولة في العالم ما لم يكن الهدف حصول كل مواطن على حقه في الرعاية الصحية”.

ويعتقد خبراء في القطاع أن ضعف الهندسة البنيوية وغياب المراقبة سببان جوهريان لاستمرار المشكلة وتأجيل حلها وفق أسس مستدامة، فنسبة إنفاق الدولة على الصحة يبلغ حوالي 12 بالمئة إلى الإنتاج المحلي، بينما يبلغ في الدول المتقدمة نحو 8 بالمئة.

سليمان هارون: المستشفيات اللبنانية لم يعد بإمكانها الاستمرار في هذا الوضع الشاذ
سليمان هارون: المستشفيات اللبنانية لم يعد بإمكانها الاستمرار في هذا الوضع الشاذ

ويرون أن الغياب البارز لدور الاستثمارات الخاصة يعتبر من العوائق التي تقف حجر عثرة أمام تطوير القطاع الصحي في لبنان. كما أن المخصصات الموجهة من الدولة لصناديق التأمين الصحية غير متساوية وأدت إلى تفاوت في مستوى الخدمات للمستفيدين من هذه الصناديق.

ويؤكد العاملون في المجال أن هناك فروقات شاسعة في القدرات المتاحة للوصول إلى الخدمات الصحية تتعلق باختلاف مستويات الدخل والتفاوت الطبقي في مناطق البلاد، مما يصيب الشرائح الأكثر فقرا.

وقال رئيس لجنة الصحة بالبرلمان، عاصم عراجي، في وقت سابق إن “المشكلة التي تواجه النظام الصحي هي تعدد الجهات التي تقدم الخدمات ولكل منها آلياته الخاصة”.

وأوضح أن الصناديق الاجتماعية تقدم خدمات لنحو 35 بالمئة من اللبنانيين ووزارة الصحة تقدم خدماتها لنحو 45 بالمئة منهم، والأسلاك العسكرية وشركات التأمين وتعاونية موظفي الدولة وصناديق التعاضد تقدم ما نسبته 20 بالمئة.

وأكد وجود تحديات كبيرة أمام النظام الصحي نظرا لارتفاع معدلات البطالة والفقر ولجوء أعداد جديدة من اللبنانيين إلى تغطية صحية من وزارة الصحة، وهذا يتطلب تضافر وضع استراتيجية للنهوض بالقطاع.

وتشير التقديرات إلى أن وزارة الصحة تتكفل بعلاج نصف اللبنانيين غير المؤمّنين صحيّا حيث تغطي 85 بالمئة من المصاريف لكل فرد منهم، بينما يتكفل المستفيد بالباقي، ما اعتبره كثيرون هدرا للمال العام.

وتظهر البيانات أن عدد مستشفيات البلاد يبلغ 154 مستشفى، منها 122 خاصا و32 حكوميا، فضلا عن ألف مستوصف، معظمها يعاني من عدم الفعالية وغياب الرقابة، إضافة إلى التفاوت الكبير بين المناطق.

11