بيروت تتجاهل أزماتها المزمنة بزيادة مخصصات دعم الكهرباء

أعطى البرلمان اللبناني الضوء الأخضر لزيادة مخصصات دعم من خارج الميزانية لوقود محطات توليد الكهرباء، في خطوة من شأنها أن تخفف أزمة إمدادات الكهرباء، التي فاقمت متاعب المواطنين كثيرا، لكن خبراء يؤكدون أن الأموال المخصصة لحل المشكلة ستزيد العجز في الموازنة.
بيروت- صادق البرلمان اللبناني أخيرا على دعم إضافي لحل أزمة الكهرباء التي يعاني منها المواطنون منذ سنوات بسبب الانقطاعات المتكررة، وسط غياب شبه كامل لسلطة تسير شؤون الدولة.
وفي ظل عدم وجود أي بوادر على التوصل لاتفاق نهائي بخصوص تشكيل حكومة بقيادة رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، بدأ البرلمان الاثنين جلسة تشريعية تستمر يومين للنظر في قوانين عاجلة وإقرارها.
وفي الأسبوع الماضي، وافقت شركة توريد النفط سوناطراك الجزائرية على تفريغ الوقود اللازم لتفادي المزيد من انقطاع التيار الكهربائي بناء على وعود من المسؤولين اللبنانيين بالدفع لاحقا بعد تفويض وزير المال بدفع المستحقات في البرلمان.
وكان وزير المالية علي حسن خليل قد قال في الأسبوع الماضي، إنه لا يرغب في تطبيق الإنفاق الإضافي في الميزانية دون موافقة البرلمان. ويعاني لبنان من ثالث أكبر نسبة للدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم، حيث تشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أنه بلغ 155 بالمئة، إلى جانب ركود اقتصادي.
وأضحت البلاد في أمس الحاجة لحكومة قادرة على تنفيذ إصلاحات للخروج من الأزمة المستمرة، بما في ذلك في قطاع الطاقة. وينظر المسؤولون وخبراء الاقتصاد في البلاد إلى تلك الإصلاحات على أنها باتت أكثر إلحاحا من أي وقت مضى للدخول في ورشة كبيرة لإنعاش اقتصاد البلاد المشلول.
وذكر خليل أن شركة كهرباء لبنان الحكومية، التي تتلقى دعما من الحكومة، تحتاج إلى 642 مليار ليرة لبنانية (430 مليون دولار) إضافية فوق مخصصاتها البالغة 2100 مليار ليرة (1.43 مليون دولار) في ميزانية العام الجاري لتغطية احتياجات الوقود بقية العام.
ويعاني لبنان من انقطاعات يومية مزمنة في الكهرباء لفترات تتراوح بين ثلاث ساعات و18 ساعة منذ انتهاء الحرب الأهلية في عام 1990. ويشتري الميسورون مولدات الكهرباء المكلفة والمسببة لتلوث الهواء من أجل سد النقص في إمدادات الكهرباء. وقال مصدر من مؤسسة كهرباء لبنان مطلع هذا الأسبوع إن “الوقود تم تفريغه”.
وقال وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل الأسبوع الماضي إن “المشكلة تم حلها وإن من المقرر البدء في تفريغ الوقود من السفينتين يوم الاثنين، لتجنب الحاجة إلى تخفيضات إضافية في إمدادات الكهرباء”.
وقبل إفراغ حمولة سوناطراك، كانت شركة كهرباء لبنان قد بدأت بتخفيض إنتاج الكهرباء بمقدار 320 ميغاواط، وقالت إنها ستضطر لإغلاق محطات الكهرباء تدريجيا إذا لم يتم إيجاد حل لمدفوعات الوقود.
وستتمثل الأولوية الأولى للحكومة الجديدة في تقليص معدلات العجز في الموازنة وميزان المعاملات الجارية وتقليص ديون البلاد التي تتجاوز 155 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مع نهاية عام 2018.
ويقول البنك الدولي إن الخطوة الأولى على هذا الطريق يجب أن تتمثل في إصلاح قطاع الكهرباء، واصفا دعم شركة كهرباء لبنان بأنه “عبء هائل” على المالية العامة. وفي العام الماضي، أنفقت الحكومة 1.3 مليار دولار على كهرباء لبنان، بما يعادل 13 بالمئة من النفقات الأولية.
وفي مؤتمر المانحين الدوليين الذي عقد في باريس في أبريل الماضي، والذي جرى التعهد فيه باستثمارات تربو على 11 مليار دولار في مقابل الإصلاحات، تعهد الحريري بخفض عجز الموازنة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بواقع خمسة بالمئة على مدى خمس سنوات.
وفاقمت السلطات الشهر الماضي، حالة التشاؤم بشأن أزمة انقطاع الكهرباء المزمنة بإقرارها بعجزها عن إيجاد حل سريع، في ظل تفاقم معاناة اللبنانيين العالقين بين تقصير السلطات وابتزاز أصحاب المولدات الذين هددوا مرارا بإغراق البلاد في الظلام بسبب تراكم خسائرهم.
واعترف وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري، حينها، أن آلية اتخاذ القرارات الحكومية بالإجماع تؤخر حل أزمة الكهرباء بما فيها مسألة الاستغناء عن المولدات، الذي هو أمر غير شرعي وغير مستدام. وقال إن “تأمين الكهرباء لمدة 24 ساعة يحتاج لثلاث سنوات وبناء منشآت لتوليد الكهرباء يحتاج لقرارات تأخذها الحكومة مجتمعة”.
وضمن الجهود لتحسين الأوضاع، أجرى أبي خليل محادثات مع وفد من شركة سيمنز الألمانية واطلع على رؤيتهم لتحديث النظام الكهربائي بالبلاد. ويعيش المواطنون مأساة فعلية، فأزمة انقطاع التيار الكهربائي تتفاقم منذ انتهاء الحرب الأهلية، ولم تستطع الحكومات المتعاقبة معالجتها.
ولذا اعتمد اللبنانيون على شركات مولدات خاصة لتأمين احتياجاتهم من الكهرباء، ما أدى لدفع المواطن فاتورتين للكهرباء، وكذلك تحكم بعض أصحاب المولدات بالأسعار. ويكلف قطاع الكهرباء خزينة الدولة أكثر من 1.6 مليار دولار سنويا، أي 20 بالمئة من إجمالي وارداتها، ويصل عجز الشركة الحكومية المتراكم منذ 1992 إلى 30 مليار دولار.