المال قبل السياسة يصنع من الأخبار الكاذبة سوقا مزدهرة

صفحات على فيسبوك تحظى بمئات الآلاف من الإعجابات تباع بآلاف الدولارات وآخرون يبيعون إعجابات أو حسابات مزيفة أو يقدمون نصائح حول كيفية الالتفاف حول إجراءات فيسبوك.
الاثنين 2018/11/12
الحرب ضد الأخبار الكاذبة مستمرة

لندن- بعيدا عن مراكز القرار العالمية والعواصم الأوروبية التي تشتكي من فوضى مواقع التواصل الاجتماعي وانتشار الأخبار الزائفة على منصاتها، يعمل تجار الشائعات بهدف جمع المال دون أن تعنيهم الحسابات السياسية أو لعبة المصالح الدولية.

كوسوفو واحدة من الدول التي بها الآلاف من مروجي الأخبار الزائفة، بل إن 40 بالمئة من شبابها اتخذوها مهنة، ولا يدعو هذا الأمر إلى الاستغراب، فمبلغ 100 يورو يوميا لا يزال في إمكانه تغيير حياة شخص ما في مثل هذا البلد، وفق ما أكد كارل ميلر في تقرير لبي.بي.سي، خلال قيامه ببحث في بريشتينا عاصمة كوسوفو، ويبدو أنها مركز رئيسي لصناعة كليك بيت والأخبار المزيفة.

يقول ميلر إن من قابلهم في كوسوفو أكدوا أن ما يدفع الناس إلى إرسال الأخبار المزيفة والمثيرة إلى الجماهير في الدول الغربية هو المال. وأثبتوا أن نشر المعلومات المضللة بمثابة صناعة مزدهرة. وكان تأثير بعض المعلومات المضللة لا سيما السياسية كبيرا للغاية.

في مهمة البحث عن نقرات المستخدمين على الإنترنت، يفوز المحتوى المخيف أو الصادم أو المبالغ فيه أو المثير للانقسام

فجني المال من الإنترنت يعني ببساطة جمع أكبر عدد من المستخدمين. ويمتلك أحد تجار الأخبار الزائفة ويدعى بيورم، قرابة 12 صفحة على فيسبوك، مخصصة لكل شيء بداية من المسيحية الإنجيلية حتى الوجهات السياحية لقضاء العطلات.

وكانت تجذب هذه الصفحات مهما كان موضوعها، عددا كبيرا من المستخدمين، فإحداها تحظى بإعجاب 90 ألف شخص، وأخرى بإعجاب 240 ألفا وثالثة بـ26 ألف إعجاب.

وتمكن بيورم من إيصال محتواه إلى قرابة مليون شخص، وحوّل تلك النقرات على لوحة المفاتيح إلى إيرادات عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الخارجية، فكان يجني قرابة 600 يورو في يوم واحد، وهو مبلغ أكثر بكثير من أن تقدمها أي وظيفة قانونية يمكن أن يحصل عليها.

لكن في ما بعد بدأت شركات التكنولوجيا الكبرى تتعهد بالقضاء على هذه الصناعة، ووصف مؤسس موقع فيسبوك، مارك زوكيربرغ، الأخبار المزيفة بأنها تمثل “تحديا شخصيا” له.

وفي عام 2018، ضاعف فيسبوك من فرق الأمن الإلكتروني لديه إلى 20 ألف شخص، وأغلق عددا كبيرا من الصفحات التي تنشر الأخبار المزيفة “كليك بيت”، ما أدى إلى قلة مشاهدتها إلى حد كبير. واستطاعت الإجراءات التي اتخذها فيسبوك، أن تخفض الدخل اليومي لبيورم من 600 يورو إلى نحو 100 يورو.

وقلّت أرباح نشر الأخبار المزيفة، بعد ذلك، وربما باتت بعيدة إلى حد كبير عن القضايا السياسية، وتحولت على ما يبدو إلى نوع من الضجة بين المشاهير، والقصص المزيفة عن لاعبي كرة القدم أو العنف الجنسي، وبات مروجو هذه الأخبار يتبادلون الأخبار التافهة.

ومع ذلك، على الرغم من قلة الأرباح، لا تزال الممارسة تنتشر انتشارا واسعا على الإنترنت. ولا تزال هناك شبكات من مجموعات مغلقة تضم ما يتراوح بين بضع مئات إلى عدة آلاف من الأعضاء، ولكي تصبح عضوا في هذه المجموعة المغلقة يتعين عليك فقط أن تتلقى دعوة من الداخل.

وفي داخل تلك المجموعات، كان من الواضح أن فيسبوك ليس فقط المكان الذي يجمع فيه هؤلاء (التجار) الجماهير، لكن كان من الواضح أنه أيضا مكان يتعامل فيه تجار الأخبار المزيفة في ما بينهم.

وتحظى صفحات على فيسبوك بمئات الآلاف من الإعجابات تباع بآلاف الدولارات. وآخرون يبيعون إعجابات مزيفة أو حسابات مزيفة أو يقدمون نصائح حول كيفية الالتفاف حول إجراءات فيسبوك.

في عام 2018، ضاعف فيسبوك من فرق الأمن الإلكتروني لديه إلى 20 ألف شخص، وأغلق عددا كبيرا من الصفحات التي تنشر الأخبار المزيفة “كليك بيت”، ما أدى إلى قلة مشاهدتها إلى حد كبير

وقالت بي.بي.سي إنها عثرت على “صفحات إرشادية للأخبار المزيفة” للمبتدئين، مرفقة بها مجموعة من الصفحات على فيسبوك لجمع الجماهير، بالإضافة إلى مواقع يمكن من خلالها تحويل النشاط إلى أموال.

ولم يكن موقع فيسبوك وحده المبدع، بل كان التجار كذلك مبدعين. كان بعضهم متخصصا في جذب المستخدمين إلى صفحات بعينها ثم بيعها، وآخرون متخصصون في بيع المحتوى، ولا يزال كذلك آخرون يركزون في كيفية الالتفاف حول إجراءات فيسوك.

وحتى داخل المجموعات الصغيرة، كان هذا يحدث بشكل روتيني عشرات المرات يوميا. لقد كان ذلك بمثابة تلاعب واسع بسياسات فيسبوك وأنظمته. وفي جميع أنحاء العالم، هناك الآلاف من “تجار الأخبار الزائفة”، وعادة ما يكون هؤلاء من الشباب الذكور والمهرة في التكنولوجيا الرقمية، ولديهم الاستعداد لنشر أي محتوى لمجرد دفع المستخدمين للنقر عليه.

وفي مهمة البحث عن نقرات المستخدمين على الإنترنت، يفوز عادة المحتوى المخيف أو الصادم أو المبالغ فيه أو المثير للانقسام. وبدأ التفكير في هذا النوع من الأخبار المزيفة، وهذا المحتوى الذي يُصدّر إلى الأسواق الغربية من أجل جني المال، كشيء يشبه زراعة الأفيون. إنه محصول يدر أموالا كثيرة.

ويخلص بيورم إلى أنه ليست هناك أي فائدة تعود على هؤلاء الذين يروجون لهذه الأخبار أو يصنعونها، كما أنها لا تقدم أي نفع للأسواق الأجنبية التي تستهلكها. لكنها، إلى حد كبير، هي الطريقة الأسهل والأنسب لجني المال بالنسبة للبعض. لذلك إن كنت تريد القضاء على الأخبار المزيفة، لا يمكنك حرق الحقول، فكل ما تحتاجه هو إعطاء الناس شيئا آخر لزراعته.

18