كوابح إقليمية تمنع مسقط من تحقيق اختراق في القضية الفلسطينية

عُمان تستكمل اتصالاتها بالأطراف المعنية بالقضية برسالة من السلطان قابوس إلى الملك عبدالله الثاني.
الأربعاء 2018/11/07
لا مانع من أن تجربوا

دخول سلطنة عمان على خطّ القضية الفلسطينية، وهي مسلّحة بتجارب سابقة وخبرات متراكمة في مجال الوساطات الصعبة بين أكثر الفرقاء تباعدا في الرؤى، لا يضمن لها تحقيق اختراق في ملف سلام الشرق الأوسط الذي ينطوي على تعقيدات استعصى حلّها على قوى أكثر خبرة وتمرّسا بالملف من مسقط.

القاهرة - كثّفت سلطنة عمان من حراكها على خطّ القضية الفلسطينية أملا في تحقيق اختراق في ملفّها الشائك. وبعث السلطان قابوس بن سعيد، الثلاثاء، رسالة إلى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني تعلّقت بإعادة إطلاق مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وحمل الرسالة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي بن عبدالله، الذي كان قد زار رام الله حيث التقى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ثمّ مصر، حيث أجرى محادثات مع الرئيس عبدالفتاح السيسي.

وفتح اللقاء الذي عقده الرئيس السيسي، مع ابن علوي بشرم الشيخ، مساء الاثنين، الباب أمام رغبة مسقط في استمرار القيام بدور حيوي في القضية الفلسطينية، والاستفادة من علاقاتها الجيّدة بأطرافها الرئيسية.

ويشي تطرق اللقاء إلى هذه القضية المركزية، بأن السلطان قابوس بن سعيد يريد أن يخوض تجربة الاقتراب من أزمة دقيقة ومتشعّبة، عجزت قوى إقليمية ودولية عديدة عن تحقيق اختراق إيجابي في مفاصلها خلال السنوات الماضية.

وتمتلك عمان دبلوماسية نشطة، ساعدتها على تحقيق تقدم في بعض القضايا، أهمها ما يتعلق بالأزمات الإيرانية المتتالية مع دول مختلفة في العالم، ونجحت في توظيف انفتاحها السياسي على نزاعات متباينة لصالح تقريب المسافات مع طهران، بصرف النظر عن الحصيلة أو الجدوى النهائية من هذه المحاولات، التي تركت انطباعات بأن مسقط تبدو كـ“عراب” لبعض الملفات الصعبة، لا سيما المتعلقة بإيران.

واستثمرت عمان علاقاتها الجيّدة مع إيران، وعزفت على وتر الوساطة الذي ابتعد عنه آخرون لعدم ثقتهم في السياسات الإيرانية، وساهمت في تذليل عقبات كانت تقف حائلا أمام الاتفاق النووي الذي يتعرض حاليا لهزة قوية بعد انسحاب الولايات المتحدة منه وعودتها إلى سياسة فرض العقوبات على إيران.

ويبدو أن سلطنة عُمان تريد تكرار دور الوساطة في القضية الفلسطينية التي تعد أشد تعقيدا، وتحاول تذليل العراقيل التي تعتريها، استنادا على سمعتها السابقة، وقدرتها على حل بعض الشفرات المستعصية، ما ينسجم مع سلوكها لطريق لا يفضل تبني توجهات منحازة لطرف دون آخر، ما جعـل بعض القـوى تقبل بوساطتها أحيانا.

وخطت مسقط خطوات جريئة مؤخرا، تتماشى مع منهجها السياسي المعتاد، واستقبلت كلا من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ثم بنيامين نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل، ثم أوفدت مبعوثا إلى كل من رام الله وتل أبيب في أكتوبر الماضي، ما أدى إلى زيادة التعويل على قيام عُمان بدور ينطوي على وساطة جديدة تعيد الحياة للقضية الفلسطينية.

وكان الحديث عن عملية السلام قد تراجع بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وتوارت الصيغة الأميركية المعروفة بـ“صفقة القرن” عن الأنظار، بعدما واجهت رفضا عربيا وفلسطينيا واسعين، وطغت المحادثات الرامية لنزع فتيل الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين على جميع المناقشات التي تتعلق بجوهر التسوية السياسية.

ويحمل اقتراب مسقط من السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية معا، إشارات تؤكد أن هناك محاولة عمانية، مدعومة من قوى مختلفة، تبدأ بتمهيد الأجواء بين الطرفين الرئيسيين، وتحاشي أخطاء تجاوز الحوار مباشرة مع أبومازن.

وتفتقد التحركات العمانية الراهنة إلى رؤية واضحة لتذليل العقبات المتراكمة، ما جعل دخولها على هذا النمط من الصراعات نوعا من ضخ الدماء في شرايين صفقة القرن أكثر منه اختراقا في جدار ممانعات الطرفين، لأن المصدّات التي تعتري هذه القضية كثيرة ومتشابكة، وخيوطها ممتدة إلى جهات داخلية وأخرى خارجية.

وتفتقر مسقط إلى الخبرة اللازمة للتعامل مع القضية الفلسطينية المفتوحة على جهات متباينة، كل واحدة منها تستطيع هدم حجر فيها، إذا حاولت بعض الأطراف البناء، فما بالنا إذا كان البناء السياسي مشوّها. فلا أحد يعرف ماهية “صفقة القرن” بالضبط، وجميع التسريبات التي تم تداولها بشأنها وجدت ممانعات متعددة.

مسقط تفتقر إلى الخبرة للتعامل مع القضية المفتوحة على جهات متباينة تستطيع كل منها الهدم إذا حاول طرف آخر البناء

ولم يكشف البيان الصادر عن الرئاسة المصرية حقيقة ما دار في لقاء الرئيس السيسي مع ابن علوي، لكن الترجيحات تقول إن مسقط تدرك أن أي تحرك على المستوى الفلسطيني، يستلزم التشاور مع مصر، المنخرطة في هذه القضية منذ العشرات من السنين، وتقوم الآن بدور حيوي لمنع التصعيد في قطاع غزة، وتسعى للوصول إلى مصالحة بين الفصائل الفلسطينية.

وأعاد كلام السيسي عن “صفقة القرن” في اليوم ذاته الذي التقى فيه ابن علوي، المعالم العريضة للموقف المصري، وهي الالتزام بالثوابت الوطنية الفلسطينية، وما يعنيه من ضرورة التوصل إلى صيغة لدولة مستقلة على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، علاوة على إشارته إلى عدم وجود معلومات عن الصفقة، لأنها لم تطرح رسميا.

وتشير هذه التصريحات إلى نتيجتين لا تنفصلان عن طبيعة مهمة ابن علوي في مصر، الأولى أنه لا يزال هناك أمل في تعديل مكونات الصفقة، طالما أنها لم تعلن رسميا، ما يضفي بريقا على تحركات مسقط أو غيرها في اتجاه وضع لبنات إيجابية للتسوية السياسية.

والثانية أن الموقف المصري لن يحيد عن ثوابته الرئيسية، وأي خطوات يجب أن تلتزم بتطلعات الشعب الفلسطيني، وهي علامة تضع على عاتق مسقط، إذا قدّر لدورها الاستمرار وتجاوز العقبات الفلسطينية والعربية، مسؤولية جسيمة، لأن الحوارات مع الطرف الإسرائيلي لن تقود إلى مكاسب كبيرة للقضية الفلسطينية، ما يضاعف من نسبة التشاؤم حيال إطلاق عملية سلام جادة مستقبلا ويبقيها في إطار العملية السياسية المحدودة.

ومن هنا تأتي واحدة من أهم المشكلات التي تواجه تحركات سلطنة عمان، فهي تتقدم نحو وساطة مجهولة المعالم، وتصوراتها تكاد تكون محصورة في إعادة الرئيس أبومازن مرة أخرى إلى طاولة الحوار مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، وتجاوز فترة القطيعة، التي شهدت مواقف حادة من السلطة الفلسطينية عكّرت صفو العلاقات، وأدت إلى انسداد الأفق بشأن التسوية.

ما يعني أن الدور الذي تقوم به مسقط سوف يكون بعيدا عن المساعدة في تحريك عميق لملف المفاوضات، ولن يتجاوز الحدود الظاهرة التي تعيد الأمل في عملية السلام التي دخلت نفقا مظلما، منذ شيوع الحديث عن “صفقة القرن” واتخذها البعض مطيّة للمزايدة وتصفية الحسابات، الأمر الذي يتطلب تصويب بعض المسارات، وفي مقدمتها إعادة الاعتبار لشرعية السلطة الفلسطينية ووضعها وجها لوجه أمام إسرائيل.

ويؤدي هذا الطريق إلى انتزاع المبادرة من حركة حماس التي تزايد دورها مؤخرا وباتت رقما سياسيا في معادلة التوازنات السائدة في المنطقة، وطغى حضورها على قيادة السلطة الفلسطينية، بعدما وجدت فيها بعض الجهات أداة مستعدة للانخراط في عملية سياسية من دون سقف للأمنيات والطموحات.

ولم تفلح جميع الحوارات، المباشرة وغير المباشرة، التي أجرتها دوائر مختلفة مع حماس، في أن تجعلها بديلا عن السلطة الفلسطينية في المفاوضات، وقد تكون استثمرت الظروف الإقليمية في تحقيق مكاسب خاصة بها، ولم تتمكن من أن تصبح الرقم الوحيد المؤثر في معادلة القوة على الساحة الفلسطينية.

وتتفق هذه الرؤية مع التلميحات التي يردّدها الرئيس السيسي من وقت لآخر، فهو حريص على أن تكون السلطة الفلسطينية المفاوض السياسي في عملية التسوية والتهدئة والمصالحة، وأن تعامل القاهرة بواقعية مع حماس لن يلغي شرعية أبومازن، وهي الزاوية التي أدى تصويبها مؤخرا إلى تحسن علاقات القيادة المصرية مع السلطة الفلسطينية.

وتساند القاهرة تحركات عُمان في السياق العام الذي يؤدي إلى غلبة حديث السلام على الحرب، ويساهم في تحسين الأجواء، ويلجم إسرائيل سياسيا عن التصعيد العسكري، لكنها لن تسمح بمنح مسقط أو غيرها أدوارا مضاعفة تسلب من مصر دورها المركزي، الأمر الذي تدركه عمان، ويجعلها تحرص على الحوار معها.

وإذا كانت مسقط لديها قوة دفع تمنحها قدرة على الحركة وسط الألغام الفلسطينية والإسرائيلية، فمصر تملك الكثير من الكوابح التي تعطّل أي محاولة لتجاوز دورها في منطقة تمثل تهديدا أو استقرارا مباشرا لأمنها القومي، وهو ما يعني أن أي تحركات في هذه القضية تواجه بتحديات من الصعوبة تجاوزها، ما لم تكن مسقط متسلحة بدعم كبير.

3