العقوبات الأميركية تدفع إيران إلى التنازل في سوريا

تعدّ روسيا أحد أبرز المستفيدين من العقوبات الأميركية ضد إيران، حيث أن طهران ستكون مُلزمة بالخضوع للشروط الروسية في سوريا لأنها في حاجة أكيدة لها في الفترة المقبلة، وقد تسمح موسكو لحليفتها بهامش من الحركة شرق الفرات لكن سيكون ذلك مضبوطا نوعا وتوقيتا.
دمشق- أكد نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني أن طهران ليست لديها أي خطة للبقاء في سوريا على المدى البعيد، جاء ذلك عشية فرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة تستهدف أساسا القطاع النفطي الحيوي بالنسبة لإيران.
ونقلت وكالة “فارس” الإيرانية الأحد عن العميد حسين سلامي القول إن “تواجد إيران في سوريا كان بطلب من الحكومة السورية، وليس لدينا أي خطة بعيدة الأمد للبقاء في هذا البلد”.
ويرى مراقبون أن تصريح نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، قد يقرأ في سياق مناورات إيران لتخفيف الضغوط المسلطة عليها، خاصة وأن وجودها في سوريا شكل أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي في مايو الماضي، وإعادة العمل بالعقوبات.
ويشير المراقبون إلى أن هذا التصريح قد يكون الهدف منه ترك الباب مواربا أمام إمكانية التفاوض حول وجودها في سوريا. وكان وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس قد انتقد الثلاثاء الماضي الوجود الإيراني في سوريا، واعتبر أن انخراط طهران في هذا النزاع ليس من مصلحتها.
وقال ماتيس في معهد السلام في واشنطن “هذه حرب لا معنى لها بالنسبة للمواطنين الإيرانيين. التواجد في سوريا ليس لمصلحتهم… لن يجدي ذلك نفعا، وهم يهدرون كمية كبيرة من الموارد التي يمكن أن تساعد الشعب الإيراني بدلا من ذلك”.
وتدخلت إيران في الصراع السوري منذ العام 2012 عبر إرسال العشرات من الميليشيات الموالية لها من العراق ولبنان وأفغانستان، فضلا عن المئات من المستشارين من فيلق القدس الجناح العسكري الخارجي للحرس الثوري الذي يُشرف عليه قاسم سليماني.
ومع مرور سنوات الحرب كثفت طهران من وجودها العسكري، حتى أنها تولّت زمام الأمور في العديد من الجبهات كان آخرها في محافظة دير الزور المحاذية للعراق والتي تشكّل بالنسبة لها أهمية خاصة في ظل طموحها في تشييد ممر بري يربط بينها والعراق وسوريا وصولا إلى لبنان.
وفي أواخر مايو الماضي وقّعت وزارتا الدفاع الإيرانية والسورية اتفاقا بشأن توسيع التعاون العسكري التقني. وحسب الملحق العسكري الإيراني في سوريا عبدالقاسم علي نجاد، فإن الاتفاق ينصّ على استمرار وجود المستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا.
ويقول محللون إن إيران وأمام حجم العقوبات المفروضة على اقتصادها المتدهور أساسا، وفي ظل ومعركة كسر عظام الذي تخوضها واشنطن ضدها ستكون مجبرة في النهاية على تقديم تنازلات، في سوريا.
ويلفت هؤلاء إلى أن طهران ستكون ملزمة بعدم تصعيد الموقف في هذا البلد ردا على الإجراءات الأميركية، لأن ذلك من شأنه أن يغضب الحليف الروسي الذي تعوّل على دوره في الفترة القادمة لتخفيف الضغط عليها وربما مساعدتها على الالتفاف على العقوبات الأميركية.
وأكد العميد حسين السلامي أنه لن يكون هناك أي صدام مع الروس في سوريا، ووصف ما “تسوقه وسائل الإعلام بأنه مفبرك ويتعارض مع الواقع”. وتعتبر أوساط سياسية أن روسيا ستكون أحد ابرز المستفيدين من العقوبات الأميركية على طهران، ذلك أنها ستدفع الأخيرة إلى عدم الخروج على المسار الذي ترسمه موسكو بخصوص كيفية حل الصراع السوري.
ويشير هؤلاء إلى أن روسيا ربما قد تسمح لطهران بهامش من الحركة في شرق الفرات حيث التواجد الأميركي الذي لطالما كان محلّ انتقاد من قبل المسؤولين الروس، بيد أن هذه الحركة ستكون مضبوطة من حيث نوعيتها وتوقيتها بما يتلاءم وحاجة روسيا.
وبالتزامن مع بدء تنفيذ العقوبات يزور ألكسندر لافرينتيف المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا طهران. ويعتزم لافرينتيف إجراء محادثات مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني حول أحدث تطورات الأزمة السورية.
ويرجّح أن يبحث مبعوث بوتين في طهران أفق الوجود الإيراني في سوريا في ظل العقوبات الأميركية، فضلا عن ما تم التوصل إليه في القمة الرباعية التي استضافتها تركيا الشهر الماضي.
وقبل زيارته إلى طهران كان لافرينتيف توجه إلى دمشق الأحد حيث استقبله الرئيس بشار الأسد. ووضع مبعوث بوتين الأسد في صورة مباحثات القمة الرباعية، التي عُقدت مؤخراً في إسطنبول والجهود التي تبذلها موسكو مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية بغية تذليل العقبات التي تقف أمام إحراز تقدم في المسار السياسي.
ويرى متابعون أن إيران وأمام التحدي الذي ينتظرها قد تضطر في النهاية إلى التفاوض على خروجها من سوريا، وسبق وأن قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بلاده مستعدة للمساهمة في حوار بين دمشق وطهران وواشنطن.