أنا "الشَّعب"!

مثل التشكيل الوزاري في الحكومة، تتوزع الحقائب السيادية بالمنزل، الابن الأكبر هو الذي يتولى وزارة “الدفاع” عن أمه بمواجهة مخططات التآمر الأبوية، وفيما يحتفظ الابن الأوسط بمهمة التخطيط والإرشاد القومي.
السبت 2018/11/03
الشعب دائماً لا يعرف الطريق إلى مصلحته

علاقة المصريين بـ”حكوماتهم” مثيرة جداً، عندما يرضون عنها يرفعونها إلى عنان السماء غزَلاً وعشقاً وهياماً، ولو غضبوا عليها خسفوا بها الأرض هجاءً وتنكيتاً وتبكيتاً أيضاً.

ولأن “الحكومة” التي أقصدها، ليست تلك التي تتبادر للأذهان، إذ كيف لمواطن “صالح” مثلي أن يتندَّر أو يسيء الظن -حاشا لله- بحكومته أو حتى بـ”خفير” فيها، فما بالنا عن رئيسها أو وزير بها؟ ولكنها “حكومة” أخرى أشد ويلاً وثبوراً، وأقصد بها “النسوان” أو الزوجات بتعبير مهذَّب. والاثنتان، الحكومة “الرسمية” أو الحكومة “الزوجية”، تشتركان في ميزة “الصبِّ في مصلحة الشعب” خاصة في يوم الخميس المقدس.. الأولى بالقرارات “الإصلاحية” التي يشكو من أنها تستنزف جيبه، فيما الثانية بحجة قدسية هذا اليوم تستولي على الجيب وما فيه!

ولأن الشعب دائماً لا يعرف الطريق إلى مصلحته، لذا كان لا بدَّ من وصيٍّ عليه ينير هذا الطريق القويم، ما يذكرنا بذلك الناخب الذي تحمس للديمقراطية وذهب للإدلاء بصوته للمرشح المعارض، فأقبل عليه الشرطي وهو يقرص أذنه ناصحاً بابتسامة عريضة: هذه المرة انتبهنا لخطئك، وأدركنا حسن نيتك بالاختيار الخطأ.. فلا تكررها مرّة أخرى”! فاتعظ المواطن واستوعب الدرس، ولم يشارك في أية انتخابات بعد ذلك.

هكذا هم الأزواج الصالحون دائماً قابلون للوعظ والاتعاظ -عدا “القِلَّة المندسَّة” مثلي- يتفاخرون بمنح زوجاتهم لقب “الحكومة”، تيمناً بظاهر هو التبجيل، أما الباطن فيشبه الـ “Black Thursday” لا يعلمه إلا الله الذي يهرولون إليه في اليوم التالي بجلاليبهم البيضاء طلباً للمغفرة في صلاة الجمعة.

ومثل التشكيل الوزاري في الحكومة، تتوزع الحقائب السيادية بالمنزل، الابن الأكبر هو الذي يتولى وزارة “الدفاع” عن أمه بمواجهة مخططات التآمر الأبوية، وفيما يحتفظ الابن الأوسط بمهمة التخطيط والإرشاد القومي، تقع مسؤولية جهاز الاستخبارات العامة لـلأصغر بحكم خفة الحركة وطبيعة نقل الأخبار، أما البنت فتتولى المهمة الشاقة.. الداخلية وحفظ أمن النظام بالإيقاع بين الحكومة والمعارضة!

ولأن الشعب دوماً ما يتقمص دور “سي السيد” ويردد بتفاخر أغنية “أنا الشعب”، دفعني فضولي لسؤال أحدهم، الذي ارتبك عقب اتصال هاتفي من ابنته أخبرته بالعودة سريعا للبيت لأن أمها تسأل عن سبب تأخره ولا تستطيع أن توجد مبرراً، فهبَّ منصرفاً وهو يلعن “الحكومة”.. فقلت بفزع: اخفض صوتك.. حتى لا يسمعنا أحد.. أي حكومة تقصد؟ فقال هامساً: هل هناك غيرها؟.. إنها التي في البيت.. أما لماذا؟ فقد أردف وهو يجري: لأنه يصعب تغييرها مهما تسببت في كوارث!

24