"إدمان" الاستجوابات يلازم برلمان الكويت رغم التحذير الأميري

الكويت - خيّم شبح الاستجواب النيابي مجدّدا على الحكومة الكويتية، في الأيام الأولى من دور الانعقاد الجديد لمجلس الأمّة (البرلمان) الذي افتتحه، الثلاثاء، أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، ودعا في كلمته بالمناسبة إلى “العمل الجاد لوقف تردي الممارسة البرلمانية وتصويب مسيرتها”، متسائلا عن جدوى “السباق المحموم على تقديم الاستجوابات”، ومحذّرا من “ممارسات سلبية ومواقف وطروحات ومشاريع عبثية لا تخدم في حقيقتها مصلحة الوطن بل تسعى إلى التكسّب الانتخابي أو تخدم مصالح شخصية أو أجندات خاصة على حساب مصلحة الكويت العليا”. ويشير أمير الكويت بذلك إلى العلاقة دائمة التوتّر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، والمؤثرة على عملهما وأيضا استمراريتهما، وهو توتّر يعزى بشكل رئيسي إلى “إدمان” النواب على استجواب أعضاء الحكومة بمن فيهم رئيسها، لأسباب لا تخلو في الكثير من الأحيان من خلفيات أيديولوجية وحسابات فئوية حزبية وحتى شخصية.
ورغم التحذير الأميري، فقد هدّد النائب محمّد المطير باستجواب وزير الداخلية الشيخ خالد الجراح الصباح، في حال تمّ القبض على النائبين وليد الطبطبائي وجمعان الحربش، لتنفيذ الحكم القضائي الصادر بسجن كلّ منهما 3 سنوات و6 أشهر بعد إدانتهما في قضية اقتحام مقرّ البرلمان.
وفي نبرة متحدّية خاطب المطير النائبين المقيمين حاليا في الخارج بالقول “حياكما الله في وطنكما متى شئتما بعد رفض المجلس (البرلمان) إسقاط عضويتكما، أنتما الآن بكامل عضويتكما ولا تستطيع وزارة الداخلية القبض عليكما إلا بطلب ويصوّت عليه في المجلس، وإذا تحركت ضدكم دون تصويت المجلس، فاستجواب وزير الداخلية جاهز”.
وعكس تهديد النائب باستجواب وزير الداخلية المنتمي للأسرة الحاكمة، بشكل أمين ودقيق الدوافع الأيديولوجية والحزبية وراء الكثير من الاستجوابات النيابية، إذ ينتمي النائبان الطبطبائي والحربش للتيار الإسلامي، فالأول سلفي والثاني إخواني وكلاهما جزء ممّا يسميه سياسيون وقادة رأي كويتيون بـ”اللوبي الإسلامي المتغلغل في مفاصل الدولة الكويتية ومؤسساتها ويمارس عليها ضغوطا كبيرة لتكييف سياساتها وفقا لأجندات ما فوق وطنية”.
وتعود قضيّة اقتحام مبنى البرلمان التي حكم فيها بالسجن على الطبطبائي والحربش إلى سنة 2011 حين حاول إسلاميون إثارة اضطرابات في الشارع الكويتي كامتداد لأحداث ما عرف بـ”الربيع العربي”.
وتحوّلت القضية مؤخّرا إلى مأزق قانوني ودستوري حقيقي، إذ أنّ الحكم الصادر ضدّ النائبين باتّ ونهائي وصدر بعد محاكمة سبقها رفع الحصانة النيابية عنهما.
ضغوط لتحصين نائبين إسلاميين ضد تنفيذ حكم قضائي بحقهما
لكنّ مجلس الأمّة صوّت مجدّدا في مستهلّ دور انعقاده الجديد على رفع الحصانة عن النائبين لتنفيذ الحكم، وجاء التصويت بعدم رفع الحصانة، الأمر الذي فسّره البعض بعدم إمكانية تنفيذ الحكم، ما يعني بالنتيجة أن البرلمان عقّب على حكم القضاء ومنع تنفيذه، وهو أمر ليس من اختصاصه.
ونقل الإعلام المحلّي الكويتي عن الخبير الدستوري محمد الفيلي قوله إنّ تصويت أعضاء مجلس الأمة على ثبوت عضوية الحربش والطبطبائي لا يمنع تنفيذ الأحكام الصادرة بحقهما، مبيّنا أنّ الحصانة البرلمانية قد تحمي النائب في حال توجيه اتهام إليه، أما في حال تم رفعها وإحالته إلى المحكمة وصدر عليه حكم إدانة نهائي، فوجب تنفيذه باعتباره مواطنا تنفذ عليه الأحكام كأي مواطن آخر.
وشدّد الخبير على أنّ وزارة الداخلية مطالبة بإلقاء القبض على المدانيْن حال وصولهما إلى البلاد، وإحالتهما إلى السجن لتنفيذ الأحكام القضائية النهائية الصادرة بحقهما، ما لم يصدر عفو عام أو خاص يشملهما.
وسياسيا مثّل تهديد أحمد المطير باستجواب وزير الداخلية نقضا لأجواء التهدئة التي رافقت بداية الدورة البرلمانية الجديدة، وحرص أمير البلاد شخصيا على تكريسها. وتجلّت التهدئة في إلغاء استجواب كان مقرّرا لرئيس الحكومة الشيخ جابر المبارك، بعد أن طلب النائبان اللذان أعدّاه سحبه من جدول أعمال المجلس.
ونقلت صحيفة الرأي الكويتية المحلّية عن مصادر وصفتها بالمطلعة قولها إنّ “التصعيد المفاجئ بعد يوم واحد من الجلسة الافتتاحية مرتبط بأجندات بعض الأطراف التي تسعى إلى حل مجلس الأمة، وتحاول افتعال الصراعات والأزمات واحدة تلو الأخرى لتوتير المشهد السياسي، من أجل الضغط في مواقع أخرى تحقق أهدافها”.
وقال محلّل سياسي كويتي إنّ الإسلاميين في الكويت يغيّرون جلودهم باستمرار ويبدّلون خططهم وفق مقتضيات كل مرحلة، “فبعد أن أرادوا جلب الربيع العربي إلى الكويت وفشلوا، لجأوا إلى محاولة تعطيل الحياة السياسية بمقاطعتهم البرلمان، وها أن بعضهم يستخدم اليوم البرلمان ذاته للاحتماء من أحكام القضاء”.
واللجوء إلى حلّ البرلمان الكويتي وإجراء انتخابات سابقة لأوانها وما يستتبع ذلك من إعادة تشكيل مجلس الوزراء، إجراء كثير الحدوث في الكويت لفضّ الاشتباك بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. ومنذ تولي الأمير الحالي الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مقاليد السلطة عام 2006، لم يكمل أي برلمان مدته الدستورية البالغة أربع سنوات.