الخجل المرضي.. شجرة تحجب مشاعر العدوانية ومؤهلات الفشل

الخجل قد يخفي في بعض الحالات عدوانية الشخص إذ يكون لديه سلوك من شأنه إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي أو الألم بالذات أو بالآخر.
السبت 2018/10/27
التربية على الخوف والعنف تولد العدوانية

علي عبدالفتاح

القاهرة – يصنف الخجل المبالغ فيه كواحد من الأمراض النفسية، إذا يعيق الفرد عن أداء مهامه الاجتماعية ويسبب له الفشل والإحباط، حيث يرتبط الخجل المتطرف علميا بالخوف والقلق وعدم الثقة وعدم القدرة على مواجهة المواقف مما يؤدي إلى تأزم شخصية الفرد وفشله في الكثير من تجارب الحياة.

ويرجح أخصائيون نفسيون أن الخجل قد يخفي في بعض الحالات عدوانية الشخص إذ يكون لديه سلوك من شأنه إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي أو الألم بالذات أو بالآخر، وقد تظهر العدوانية بين الإخوة داخل الأسرة وبين الطلاب في المدرسة وفي الشوارع والأماكن العامة بأشكال مختلفة لفظية وبدنية.

 

يسيطر الشعور بالخجل على الكثير من الأشخاص خصوصا الأطفال في الفترة الأولى لاحتكاكهم بالمجتمع وبأشخاص لا يعرفونهم مسبقا، وتعتبر العديد من التفسيرات العلمية السلوكية أن هذا الشعور طبيعي، لكنه يتحول إلى حالة نفسية صعبة أو إلى حاجز في التواصل مع الآخر عندما يصبح صفة دائمة وشعورا لا يستطيع الفرد التخلص منه ويشعر بأن كل تصرفاته تتأثر بخجله، ويرى علماء النفس والاجتماع أن الخجل المبالغ فيه يعبر عن شخصية انطوائية وقد يخفي حالة من الرفض للآخر أو من العدوانية.

ويقول إبراهيم (23 عاما) “منذ صغري أعاني من الشعور بالخجل، كنت أظن أن هذا الأمر مؤقت لكني مازلت أعاني من الخجل والخوف والقلق والعصبية، وأرتاح أكثر كلما وجدت نفسي في مكان يقل فيه الناس، أحب العلم والتفوق، وأشعر أنني أملك طاقة كبيرة بداخلي ودائما أبحث عن الفرصة لكي أظهر قدراتي، ولكني لا أوفق لأنني لم أجد مفرا من الخوف من نظرة الآخر، وقد خسرت ثلاث سنوات من حياتي الدراسية بسبب الخجل وعدم الإحساس بالراحة وسط الزملاء، ولكن لا أرى في نفسي شخصا يكره الآخرين”.

وتعاني سناء (18 عاما ) بدورها من الشعور الدائم بالخجل، وتوضح أن ذلك يصيبها بالقلق والعصبية عندما تعجز عن التواصل الجيد مع المحيطين بها وتقول “أخاف من الناس في الشارع لا أحب أن أنظر في وجوه الناس وقد أتعثر عندما ينظر لي شخص ما وأخشى كثيرا من أن يضحك الآخرون من تصرفاتي وأمشي ووجهي في الأرض، وحتى في المدرسة والثانوية أكون على علم بالإجابة لكن أخاف أن أعبر عن نفسي حتى أن أحد المدرسين قال عني إني غبية وسوف أفشل في الثانوية العامة رغم أنني مجتهدة وأدرس جيدا، وفي تلك اللحظة شعرت أني أريد الثورة في وجه الخجل ولكني خفت وبداخلي غضب وعدوانية نحو الآخرين.

ويرى أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس فاضل عبدالمعز أن الخجل مرض اجتماعي ونفسي يسيطر على مشاعر وأحاسيس الفرد منذ الطفولة، كما أنه ثمار للإحساس بالخوف والقلق والضعف ما يؤثر على الشخص ويهدر أحيانا طاقاته الفكرية ويشتت إمكاناته الإبداعية وقدراته العقلية ويشل قدرته على السيطرة على سلوكه وتصرفاته تجاه نفسه وتجاه المجتمع الذي يعيش فيه.

ويؤكد عبدالمعز أن مشكلة الخجل الاجتماعي أو الخوف من المجتمع تظهر بشكل أكبر في فترة المراهقة مع احتمال ظهورها قبل أو بعد هذه السن، وهناك الكثير من الأشخاص يعانون من هذه المشكلة في صمت لأعوام طويلة ولكنهم يبدؤون في طلب المساعدة في حالة تزايد الحالة إذ إنها قد تسبب بعض المشكلات أو الأزمات في الحياة.

ويوضح أستاذ الطب النفسي أن للخجل المرضي أسباب متعددة منها التعرض لتجارب سيئة سابقة كأن يكون قد تعرض الطفل لكراهية شديدة من معلميه أو من والديه وإخوته أو رفض اجتماعي من قبل زملائه الطلاب أو رفض اجتماعي عام وغيرها مما يدفع به إلى العدوانية في السلوك، وتكون العدوانية هنا كنوع من الانتقام للحالة التي يعيشها الفرد الخجول. وتشكو وفاء (35 عاما) قائلة “ابني البالغ من العمر العشر سنوات خجول جدا، لا يحب اللعب مع أحد وكثيرا ما يرجع من المدرسة باكيا لعجزه عن التعبير وعن الدفاع عن نفسه، والآن وصل إلى عمر العشر سنوات ومازال خجولا ويريد دائما أن يجلس وحيدا ويلعب ألعابه على الإنترنت، حاولت كثيرا تغيير الوضع ولكنه لا يحب الاختلاط ولا اللعب مع الأصدقاء أو زملاء المدرسة ولا يحب الذهاب إلى أي مكان حتى لنوادي الترفيه”.

سيطرة الآباء على تصرفات الطفل وتفكيره والمقارنة بينه وبين طفل آخر تحطان من قيمته فيشعر بالضعف

من جانبها تعتبر أستاذة الطب النفسي بجامعة عين شمس سعاد شعبان أن الخجل المرضي هو الخجل الذي يؤذي صاحبه ويسبب له الإحباط والفشل ويضيع عليه الفرص المهمة في حياته ومن علاماته أن ترى الشخص الخجول يعجز عن الكلام عند تبادل الأحاديث أو يصاب بالتلعثم والتأتأة والحيرة، ولا يدري ماذا يفعل وتجد العرق ينساب على وجهه ويشعر بالضيق ويريد الهروب أو الانصراف أو إنهاء هذا الموقف، ولا يستطيع أن يفكر أو يتحدث بمنطق ولا تفكير سليم مستقل، وتجده يتوقع الشر دائما. والنتيجة أن يصاب بالكبت فلا يستطيع أن يفصح عن أفكاره أو يعبر عن مشاعره، وربما إذا شعر بالتوتر العنيف ينفجر في وجه الآخرين بعدوانية غير متوقعة، بالرغم من أن هذه الحالة ليست عامة ولكن تحدث أحيانا.

وتضيف سعاد شعبان عن الأسباب التي تجعل الإنسان خجولا بشكل مرضي وقد يخفي عدوانية صامتة داخله لأن التربية بأسلوب عنيف في الأسرة هي أهم الأسباب حيث يمارس على الطفل منذ سنواته الأولى الزجر والسخرية والتعنيف اللفظي والمادي ويتعرض بشكل مكرر إلى النقد المستمر والضرب والتوبيخ والتأنيب..

وتشير شعبان إلى أن سيطرة الآباء على كل تصرفات الطفل وتفكيره والمقارنة والموازنة بينه وبين طفل آخر لتحفيزه ينعكس سلبيا على شخصيته ويحط من قيمته ويثبط همته فيشعر بالضعف أو النقص ما يؤدي إلى انخفاض نشاطه وجرأته ويتسبب له في التأخر الدراسي مثلا. كما أن كثرة الخلافات وخاصة بين الوالدين تؤثر عليه وتشعره بالعجز.

وتناشد الباحثة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة فاطمة السيوفي الوالدين وتنصحهم بأن يكونوا رحيمين بأولادهم وأن يحاولوا أن يوفروا لهم بيئة آمنة داخل البيت ويتركونهم يعبرون عن مشاعرهم بحرية ويحثونهم على تحمل بعض المسؤوليات في البيت. وتقول “شجعوا أولادكم على الالتزام الأخلاقي وتكوين الصداقات وانتقاء العلاقات النقية، وناقشوا معهم شؤون الحياة فهذا ضروري ليكون هناك دفء عاطفي في الأسرة”.

وتحذر السيوفي من شجار الوالدين أمام أبنائهم وتدعوهم إلى تشجيع الصغار دوما وتحفيزهم والثناء عليهم مع تجنب التعامل معهم بقسوة حتى ينشأ الأطفال نشأة صحية.

21