لوبيات إعلام جزائرية تصفي حسابات السلطة مع الصحافيين المنتقدين

اتهام ثلاثة صحافيين بالقذف والمساس بأمن الدولة لعلاقتهم بناشط على فيسبوك.
السبت 2018/10/27
صفحة فيسبوك أثارت غضب النظام ومؤيديه

الجزائر – أمرت محكمتان بالعاصمة الجزائرية مساء الخميس، بحسب ما أفاد محامون، بوضع ثلاثة صحافيين في الحبس الاحتياطي بتهم مختلفة بينها القذف والابتزاز والمس بمؤسسات الدولة وبالحياة الخاصة للأشخاص.

والمتّهمون الثلاثة هم رئيس تحرير موقع “ألجيري بارت” عبدالرحمن سمار والصحافي بنفس الموقع مروان بوذياب والصحافي وصاحب موقع “دزاير برس” عدلان ملاح.

وملاح موقوف على ذمّة التحقيق منذ مساء الاثنين، بحسب محاميه عبدالغني بادي، وقد أمر قاض الخميس بتمديد حبسه حتى استكمال التحقيق في التهم المنسوبة إليه، وهي “المساس بمؤسّسات الدولة وأخذ صور وفيديوهات دون رخصة”، وكذلك “المساس بحرمة الحياة الخاصة للأشخاص”. ويعاقب القانون الجزائري بالسجن لغاية خمس سنوات على هذه التهم.

ويقف خلف هذه الاتهامات مسؤولون حكوميون وشخصيات قريبة من النظام الجزائري تقدموا بشكوى ضد الصحافيين، ومن بينهم اسم مدير مجموعة النهار للإعلام أنيس رحماني، المعروف بعلاقاته مع أجهزة النظام، إضافة إلى والي محافظة الجزائر العاصمة عبدالقادر زوخ ومدير عام مجموعة “كوندور”، إحدى أكبر شركات الصناعة الإلكترونية، عبدالرحمن بن حمادي.

وبحسب المحامي فقد مثُل ملاح مع ثلاثة متهمين آخرين يحاكمون بنفس التهم وهم منير دوب (لاعب كرة قدم سابق) وكمال بوعكاز (ممثل كوميدي) والهواري بوخرص شقيق أمير بوخرص المقيم في الخارج وصاحب صفحة “أمير دي زاد” على موقع فيسبوك.

اعتقال الصحافيين يرتبط بقضية صفحة "أمير دي زاد" التي تنشر تقارير عن الفساد والقمع في مؤسسات الدولة

وتفيد مصادر مطلعة على الملف بأن هذه الاعتقالات ترتبط بقضية صفحة “أمير دي زاد” التي يديرها الناشط الجزائري أمير بوخرص، المقيم في فرنسا. فقد اعتبر العديد من الصحافيين الجزائريين، أن هذه القضية مجرّد ذريعة من قبل السلطات لضرب الإعلام.

ويثير بوخرص جدلا واسعا في الجزائر، ويعرّف نفسه بأنه ناشط ومعارض سياسي للسلطة، ويقوم بكشف ما يسميه في منشوراته وتسجيلاته بـ“الفساد والقمع في مؤسسات الدولة ولدى المسؤولين والموالين لها في شكل وثائق وملفات وصور، وأنه يتحدى أيّا كان يثبت ممارسته للابتزاز وأنه يملك مصادر قلب النظام السياسي”.

وتضم صفحة أمير بوخرص على موقع فيسبوك أكثر من مليوني متابع وهو يخوض منذ أسابيع صراعا عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع قناة النهار ومديرها بسبب اتهامه لرحماني بخدمة قيادات في النظام.

وكانت صفحة هذا المدون قد تعرضت منذ أكثر من أسبوع للغلق بعد شكوى تقدم بها المدير العام لقناة النهار، قبل أن تعود للظهور مجددا. ولم تؤثر عملية الحظر الأخيرة على شعبية صفحته، واستمر في انتقاد السلطة والرموز الموالية لها بمختلف المؤسسات والأذرع السياسية والإعلامية.

وتتهم أطراف في الجزائر وعلى رأسها رحماني، أمير دي زاد بـ“تسخير نشاطه عبر فيسبوك من أجل ابتزاز بعض الشخصيات ورجال الأعمال”، وتؤكد هذه الجهات أنه “يتلقى أموالا نظير ما يقوم به”، وهذا ما يكون قد دفع الجهات القضائية لفتح التحقيق الجاري، الذي انتهى بتوقيف عدد من المتعاونين معه.

وفي المقابل، ينفي بوخرص كل هذه التهم، وسبق له التأكيد في تصريحات صحافية أنه تعرض لـ“إغراءات من قبل السلطة حتى يتوقف عن نشاطه”.

ومساء الخميس نشرت قيادة الدرك الوطني التي أجرت التحقيقات بيانا أعلنت فيه أنها “قامت بمعالجة سبع قضايا (..) ذات صلة بالاستخدام لأغراض إجرامية لمواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت”.

وأضاف البيان أنّ المتّهمين انتظموا في أربع مجموعات موزّعة كالآتي: “جمع المعلومات والتركيب، تنفيذ الضغوط، الوساطة، المساومة وجمع الأموال”.

وأضاف أنه “تم الكشف عن أربعة مستويات في الشبكة تنشط في العاصمة وبعض المحافظات، وقد تم توقيف أعضائها تباعا وتقديمهم للقضاء لمحاكمتهم، وهم وجوه من مهن مختلفة وعاطلين عن العمل، كان يجري التنسيق بينهم لتنفيذ عمل التشهير والابتزاز”.

ولم تذكر قيادة الدرك الوطني أسماء المتّهمين ولا وظائفهم، مشيرة إلى أنّ ضحاياهم “تعرّضوا إلى مساومات وابتزاز تحت طائلة التهديد بالتشهير والمساس بحرية الأشخاص عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.

ومن جهته أكد المحامي أمين سيدهم أن “عبدالرحمن سمار ومروان بوذياب موجودان رهن الحبس منذ مساء الثلاثاء، وبعد استدعائهما للتحقيق تم تقديمهما (الخميس) للنيابة بمحكمة بئر مراد رايس ثم مثلا أمام القاضي الذي أمر بإيداعهما الحبس المؤقت قبل محاكمتهما في 8 نوفمبر”.

وبحسب المحامي، فإن سمار وبوذياب يحاكمان بتهم “القذف والتشهير والمساس بالحياة الخاصة للأشخاص” بعد شكوى تقدّم بها مدير قناة النهار. وأوضح سيدهم “لا نعرف بالضبط المقال الذي اعتبرته المحكمة قذفا وتشهيرا بما أنّنا لم نحصل بعد على نسخة من الملف”. لكن الموقع الذي يديره سمار نقل مؤخرا اتّهامات نشرها “أمير دي زاد” ضدّ أنيس رحماني.

الشكوى مقدمة من مسؤولين حكوميين ومدير مجموعة النهار للإعلام، المعروف بعلاقاته مع أجهزة النظام، والذي توعد بملاحقة كل من له علاقة بصفحة "أمير دي زاد" على فيسبوك

ويعاقب القانون الجزائري على هذه التهم بالسجن لفترة تتراوح بين شهرين وستة أشهر.

واستنكر ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي، التشهير الذي تعرض له الموقوفون من قبل بعض وسائل الإعلام، مما أثر على عائلاتهم، بحسب شهادات عيان نقلها موقع “دزاير برس” عن زوجة وأبناء الفنان كمال بوعكاز، الذين كانوا في غاية التأثر والصدمة.

وذكر المحامي والناشط الحقوقي عبدالغني بادي، الذي أعلن الالتحاق بهيئة الدفاع عن الصحافيين الموقوفين، أن “الحرية في الجزائر تمر بأصعب مرحلة، لأن النص الدستوري واضح في عدم سلب الجنحة الصحافية لحرية الصحافي”.

ويذكر أن فرقة تابعة للدرك الوطني في الجزائر، قامت قبل حوالي عشرة أيام، بتفتيش مقر قناة “بور.تي.في” في العاصمة، في إطار التحقيقات التي فتحت عقب شكوى تقدم بها رحماني.

وقالت مصادر من داخل القناة إن رجال الدرك قاموا بتفتيش مكاتب القناة وكل من دخل وخرج من المقر من الصحافيين والعمال، مشيرة إلى أن المقصود هو أحد مذيعي القناة، المشتبه بأن له علاقة بالمدون “أمير دي زاد”. وأعلنت قناة “النهار” عن حملة توقيفات واستدعاءات للتحقيق مست حوالي عشرين شخصا بينهم فنانون وإعلاميون ورجال أعمال وحتى نواب في البرلمان، مؤكدة أن هؤلاء كانوا يقدمون الأموال والمعلومات لأمير دي زاد، إما تواطؤا وإما خوفا من تهديداته لهم، على حد قولها.

وكان رحماني، قد توعد كل من يتعرض له ولعائلته في مواقع التواصل الاجتماعي برفع شكاوى أمام القضاء.

18