المعرض المغاربي للكتاب بوجدة وسؤال الكونية في الأدب والفكر

انتظم من 18 إلى 21 أكتوبر الجاري بمدينة وجدة المغربية المعرض المغاربي للكتاب في دورته الثانية تحت شعار “مقاربة الكوني”، وذلك بمشاركة عدد من المفكرين والشعراء والروائيين العرب والمغاربة والأروبيين وكذلك من كوبا.
وقد اتسمت هذه الدورة بحسن التنظيم وكذلك بالمستوى المرموق لبرنامج المحاضرات، التي دارت على مدى يومين وتطرقت إلى مواضيع متصلة بقضايا الفكر والأدب الراهنة كالإسلام والحداثة ومساءلة الكتابة والكونية وموضوع اللغة والترجمة، وغيرها من المحاور الهامة.
تمثل الثقافة المغاربية بكل روافدها سواء في الفكر أو الأدب أو الفنون، رافدا هاما للمدونة الثقافية العربية، حيث تشكل علاوة على خصوصيتها، نقطة التقاء وانفتاح بين مختلف ثقافات العالم، ففيها تنصهر الثقافة العربية والغربية والأمازيغية نظرا إلى ما تمثله هذه المنطقة من فضاء حضاري عريق ومتجانس.
وحسب برنامج الدورة فقد تم توجيه الدعوة لأزيد من 200 مثقف ومبدع من البلدان المغاربية أساسا، ومن أوروبا وأفريقيا بالخصوص لتنشيط هذه الدورة.
ندوات مثيرة
المميز في فقرات هذه الدورة هي الندوات التي تطرقت إلى مواضيع مختلفة، من بينها “الإبداع بالأمازيغية”، “أن تكون مبدعا عربيا اليوم”، “الإرث الثقافي”، “متخيل اللغات”، “الهجرة والعولمة”، “الجالية، هويات إفريقية جديدة”، “كتابات مغاربية”، “الإسلام والحداثة”، “كتابات نسائية”، بالإضافة إلى “ورشات خاصة بأدب الشباب”، وورشات خاصة بالحكي والكتابة، وكذا تقديم وتوقيع كتب صادرة حديثا، وقراءات شعرية وحفلات تكريمية.
وقد توزعت الأنشطة الثقافية للمعرض على مجموعة من الفضاءات، نذكر من بينها قاعة سيمون ليفي، قاعة القدس، قاعة ليلى علوي، فضاء مكتبة الشباب.
وقد تم ضمن فعاليات المعرض تكريم أسماء أربعة مبدعين، منهم شاعر فلسطين محمود درويش، برنارد دايي كاتب إيفواري، ثريا الشاوي وهي أول ربانة مغربية، وعبدالوهاب المؤدب الكاتب والمفكر التونسي الراحل.
في نقاش حمل عنوان “أسفار الأندلس”، تحدث المترجم والناقد الفرنسي روني دو سيكاتي عن تأثير الأندلس على دانتي في كتابة الكوميديا الإلهية وإقرار هذا الأخير بذلك في كتابه الوليمة، إذ يقول فيه إن دينه كبير تجاه مفكرين مسلمين وهما بن رشد وبن سينا خصوصا في ما يخص تعليقهما على فلسفة أرسطو.
كما ذكر دانتي في الوليمة فلاسفة مسلمين آخرين مثل الغزالي وابن عربي. ويتجلى احترامه لابن رشد وبن سينا حين يتطرق إلى مصيرهما في الكوميديا الإلاهية حيث يرفض أن يضعهما في الجحيم، ويكتفي بوصفهما في منطقة النسيان، لأنه بحكم إيمانه الكاثوليكي لا يمكنه وضعهما في الجنة.
ويقر دو سيكاتي بالدور المحوري الذي لعبته الأندلس في تكون وتبلور فكر دانتي وآثاره في الكوميديا الشهيرة التي كتبها. فلولا الكتابات الأندلسية وترجماتها لما اكتمل فكر دانتي ولما كتبت الكوميديا.
وأقر المحاضر، معتمدا كتابات المستشرق الإسباني ميكال بالاسيوس، أن دانتي اطلع بالتأكيد على “كتب المعراج” و”رسالة الغفران” التي عثر على ترجمة لها معاصرة له، وكذلك اطلع على فكر محي الدين ابن عربي، فكان لكل ذلك تأثير واضح على فكره وكتاباته.
على هامش المعرض انتظمت بطريقة عفوية من طرف بعض المشاركين، زيارة للحدود المغربية الجزائرية في خطوة رمزية
وعادة ما يحتج وينفي النقاد الغربيون تأثر دانتي بالفكر العربي الإسلامي لكن يقول دو سيكاتي إن تأثر دانتي بالفلسفة الإسلامية لا يقلل من أهمية كتاباته ولا يعني خضوع فكره للثقافة الإسلامية بل هو تلاقح وإثراء.
أمسية شعرية
وعلى هامش المحاضرات نظمت إدارة المعرض عددا من الأمسيات الشعرية، من بينها أمسية أقيمت بدار السبتي بوجدة، وقد كانت ناجحة ورائقة بشهادة الحضور، وقد شارك فيها عدة شعراء من بينهم الشاعر المغربي محمد بنيس والشاعر الكوبي فيكتور رودريغس نونيا والفلسطيني نجوان درويش وكاتب هذه السطور.
واتسمت التظاهرة بنقاشات هامة حول مختلف قضايا الشعر اليوم، فعلاوة على تقديمهم لقصائدهم خاض الشعراء المشاركون نقاشات بناءة نتكهن بأنها ستسفر قريبا عن مشاريع تعاون بين العديد منهم.
كما انتظمت على هامش المعرض وبطريقة عفوية من طرف بعض المشاركين، زيارة للحدود المغربية الجزائرية المغلقة منذ سنة 1994 والتي تقع على بعد بضع الكيلومترات من مدينة وجدة. وخلال هذه الزيارة تجلى للحاضرين سوء هذا الوضع المحزن لحدود مغلقة بين بلدين شقيقين وشعب واحد. فالطريف المحزن أن دارت عبر الأسلاك الشائكة حوارات طريفة بين المارة من الجهة المغربية والمارة الجزائريين على بعد بعض الأمتار.
ويمكننا أن نشير إلى أن هذه التظاهرة الفتية حققت نجاحا هاما خاصة في تفعيل الحراك الثقافي المغاربي في محيطه العربي والكوني، راجين أن تتواصل جهود الجهات الرسمية في دعم هذا المعرض، الذي يعد بمستقبل بارز للثقافة المغاربية، ومنارة أخرى مضيئة في الأفق الثقافي العربي والأفريقي خاصة.