أردوغان يخفق في تسميم مؤتمر الاستثمار في الرياض

أنقرة - اكتفى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء، بإعادة سرد تفاصيل إخبارية متفرقة من حادثة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، دون أن يحمل أي جديد، ما يثير الكثير من التساؤلات بشأن التحشيد الإعلامي للخطاب والتركيز على أنه “سيعري الحقائق” في القضية، ليكتشف المراقبون أن هذا التضخيم كان الهدف منه التشويش على مؤتمر الاستثمار الذي تعقده السعودية.
وقال مراقبون إن تحديد الثلاثاء كموعد لخطاب أردوغان عن قضية خاشقجي كان موجها للتقاطع مع مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، ومحاولة إرباك منظميه، ودفع شركات دولية ومستثمرين إلى التغيب عنه وتوسيع دائرة الشكوك بشأن مستقبل الاستثمار في المملكة، وهي الاستراتيجية التي عملت عليها السلطات التركية والقطرية والإيرانية والجماعات المرتبطة بالدول الثلاث.
وأشاروا إلى أن السعودية كانت تتوقع أن يتم العمل على إفشال هذا المؤتمر الضخم من هذه الجهات متحالفة، لكونه سيعطي صورة عن وزن السعودية الجديدة في العالم الذي تتحكم فيه المصالح والاستثمارات الضخمة.
وقال أردوغان أيضا إن مكان جثة خاشقجي لم يعرف بعد وإنه طالب السعودية بالكشف عن هوية “متعاون محلي” (تركي) قيل إنه تسلم الجثة. وبعد سرد معلومات صارت معهودة في أذهان الجميع بشأن ما حفّ بعملية القتل، لجأ أردوغان إلى طرح الأسئلة فيما كان العالم ينتظر منه أن يقدم حقائق كما وعد سابقا.
ولاحظ متابعون للشأن التركي أن الخطاب لم يحمل جديدا، كما أن أردوغان بدا مرتبكا خاصة أن سرده للتفاصيل بدا مملا ورتيبا، وقد بدا تأثير ذلك واضحا على نواب البرلمان، لافتين إلى أن الرئيس التركي وجد نفسه في وضع صعب خاصة أنه حدد محتوى كلمته بشأن خاشقجي بعد أن قدمت السعودية روايتها وحازت على دعم قوي من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فضلا عن تفاعل عربي وإسلامي واسع.
ومن الواضح أن الهدف من تحديد محتوى الخطاب هو الإيهام بأن تركيا ما زالت ممسكة بخيوط التحقيق، خاصة بعد الصدمة التي أحدثتها الرواية السعودية في الأوساط الرسمية التركية، فضلا عن الاستمرار بخيار الابتزاز والضغط على السعودية.
وقامت قوات الأمن التركية بتفتيش منزل في إقليم يالوفا بالقرب من إسطنبول، بحثا عن أدلة مرتبطة بقتل خاشقجي وذلك بحسب تقارير وسائل الإعلام المحلية.
وقالت صحيفة “حرييت” اليومية إن الشرطة “جمعت أدلة”، وغادرت الفيلا المكونة من ثلاثة طوابق. وبشكل منفصل ذكرت صحيفة “خبر ترك” اليومية أن المنزل يخص أحد أفراد المجموعة التي نفذت عملية القتل.
ولم يثر محتوى الخطاب أي تفاعل دولي خاصة من السعودية أو من الولايات المتحدة، حيث لم يعلق ممثلون عن البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية على كلام أردوغان.
وأعلن مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي، في تصريحات لصحيفة واشنطن بوست أن بلاده ستعمل على الحصول عن أجوبة بشأن مقتل خاشقجي.
ودعا وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر، إدارة ترامب، إلى تحقيق التوازن بين القيم الأخلاقية للولايات المتحدة ومصالحها الداخلية، في إطار تعاطيها مع تداعيات مقتل خاشقجي.
ونأت كندا بنفسها عن تصعيد جديد مع السعودية. وقال جاستن ترودو رئيس وزراء كندا إنه سيكون من الصعب للغاية إلغاء صفقة سلاح مع الرياض تصل قيمتها إلى 13 مليار دولار كما يطلب معارضون.
واستمرت السعودية في مقاربة الأزمة وفق آلياتها الخاصة، انطلاقا من تمسك العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز بالتحقيق الحازم للتوصل إلى الحقائق.
وأكد بيان لمجلس الوزراء السعودي بعد اجتماعه الأسبوعي على محاسبة “المقصّر كائنا من كان” في مقتل خاشقجي، وعزم الحكومة على “ألّا تقف الإجراءات عند محاسبة المقصرين والمسؤولين المباشرين لتشمل الإجراءات التصحيحية في ذلك”.
وتزامن هذا الموقف الحازم مع استقبال العاهل السعودي وولي العهد محمد بن سلمان نجل خاشقجي (صلاح)، وشقيقه (سهل)، وقدما لهما التعازي.
وبينما كان أردوغان يلقي كلمته انضم المئات من المصرفيين ورؤساء الشركات للمسؤولين السعوديين في فندق بالرياض لحضور مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار وهو مؤتمر سنوي يهدف إلى جذب مليارات الدولارات من رأس المال الأجنبي في إطار إصلاحات لإنهاء اعتماد المملكة على إيرادات صادرات النفط.
وخطف المؤتمر الأضواء أمس متحديا مبررات الغياب ودعوات المقاطعة التي تبنتها بعض الشخصيات والشركات الدولية.
وقال ولي العهد السعودي خلال تفقده لمقر انعقاد دافوس الصحراء إنه راض عن مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار في المملكة”. وأبلغ الصحافيين قائلا “عظيم، مزيد من الناس ومزيد من المال”.
وحضر المؤتمر زعماء ومسوؤلون من عدة دول بينهم العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الذي التقى الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان في لقاءين منفصلين.
وأشادت الحكومة الأردنية، الجمعة، بأهمية الخطوات التي اتخذتها الرياض في قضية خاشقجي من أجل “استجلاء الحقيقة”.
وكشف مسؤولون أن السعودية وقعت اتفاقات بأكثر من 50 مليار دولار في قطاعات النفط والغاز والبنية التحتية وقطاعات أخرى خلال المؤتمر الذي تستمر فعالياته إلى الخميس.
وقالت وكالة الإعلام الروسية نقلا عن مصدر لم تسمه إن ممثلين من قطاع الأعمال الروسي التقوا مع ولي العهد السعودي، الثلاثاء، في اجتماع دام ساعتين.
واعتبر كيريل دميترييف، رئيس “الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة” (حكومي)، أنه من السابق لأوانه الحديث عن تراجع الاستثمارات الأوروبية والأميركية في السعودية على خلفية مقتل خاشقجي.
ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن دميترييف قوله إن “سوق الاستثمارات السعودي الآن أكثر جاذبية على ما كان عليه قبل ثلاث أو أربع سنوات مضت”.
إقرأ أيضاً: