لا ربط بين النفط والسياسة في قضية خاشقجي

لندن - تعيش السعودية لأول مرة منذ عقود في خضم مواجهة مع قوى غربية كبرى، منذ الإعلان عن اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي واعتراف الرياض بوفاته في القنصلية السعودية بإسطنبول، تضمنت تهديدات بفرض عقوبات اقتصادية على السعودية، ورد الرياض بإجراءات مماثلة، لكنها تبدو حريصة على الإبقاء على النفط بعيدا عن الصراع السياسي.
وتحويل النفط كسلاح سياسي، الذي شكل الجانب الاقتصادي من حرب أكتوبر 1973 بين العرب وإسرائيل، خطوة تحمل الكثير من المخاطر على استقرار الاقتصاد العالمي، الذي تلعب فيه السعودية دورا كبيرا كقوة اقتصادية لا يمكن الاستهانة بها.
وأكد ذلك وزير النفط السعودي خالد الفالح، الذي قال يوم الاثنين إنه لا نية لدى السعودية لفرض حظر نفطي على المستهلكين الغربيين على غرار ما حدث في 1973 وإنها ستفصل النفط عن السياسة.
وأبلغ الفالح وكالة تاس الروسية للأنباء، عندما سئل إن كان من الممكن أن يتكرر حظر 1973، “لا توجد نية”. ولوح مشرعون أميركيون بإمكانية اتخاذ إجراءات اقتصادية ضد السعودية على وقع مقتل خاشقجي، الذي قال مسؤول سعودي إنه توفي في مشاجرة داخل مبنى القنصلية مع فريق حضر إلى إسطنبول لمحاولة إقناعه بالعودة إلى بلاده.
وتتخذ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تقف وسط مفاوضات هادئة مع السعودية ومنتجين آخرين في أوبك لإقناعهم بزيادة إنتاجهم من الخام للمساعدة في خفض الأسعار، موقفا أكثر حذرا من قضية خاشقجي.
ولا يبدو أن السعودية، التي تنظر إليها القوى الغربية الكبرى باعتبارها شريكا اقتصاديا وسياسيا وأمنيا محوريا في المنطقة، راغبة في تذكير العالم بموقعها كـ”بنك مركزي” للنفط في العالم، أو تحويل ثروتها النفطية إلى ورقة مساومة للضغط على الغرب بـ”سلاح استراتيجي” كفيل بإعادة ترتيب موازين القوى في الاقتصاد العالمي، إذا ما قررت وضعه وسط خلافات سياسية.
وقال جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأميركي، الاثنين إن “السعودية حليف مهم للولايات المتحدة”.
وتريد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحجيم قضية خاشقجي بحيث لا تخرج عن نطاق “الخلاف الداخلي” بين الحلفاء، لكن خصوم ترامب في المؤسسات التقليدية ووسائل إعلام خصوصا باتوا يرون في إبقاء الأزمة مشتعلة فرصة سياسية قد تؤثر على نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، المقرر إجراؤها خلال إسبوعين.
وتم تداول برميل خام برنت الاثنين عند حاجز 79.3 دولارا.
وفي السابق تحدثت تقارير إعلامية سعودية عن قدرة المملكة على مضاعفة الأسعار في السوق لتصل إلى 200 دولار للبرميل. وتريد بعض وسائل الإعلام فتح باب إعلامي وسياسي على هذه التهديدات غير الرسمية، وإبقائها في واجهة الأزمة لتعميق الخلاف بين الرياض والعواصم الكبرى، التي مازالت تتحفظ في الحديث عن إجراءات اقتصادية ضد السعودية.
ويفهم المسؤولون الغربيون أن عدم واقعية أي تحركات قد تؤذي اقتصادات دولهم أكثر مما ستؤثر على السعودية، كما قال ترامب خلال خطاب ألقاه خلال تجمع جماهيري، وكان يشير فيه إلى صفقة أسلحة بمقدار 110 مليارات دولار بين السعودية والولايات المتحدة.
ويدرك المسؤولون في الإدارة الأميركية أن الخطوة التلقائية السعودية، في حالة لجوء الغرب إلى إجراءات اقتصادية ضدها، هو شراء احتياجاتها من الأسلحة والسلع الأساسية والمنتجات الصناعية ومواد الخام، من الصين وروسيا والهند ودول آسيوية، لكنها ستبقي على النفط خارج المناورات.
وتدرك السعودية أن أزمة خاشقجي مؤقتة، لكن اللجوء إلى سلاح النفط قد يخلق أزمة طويلة الأمد، وسيترك خلفه عواقب وخيمة على العلاقات السعودية الغربية لن يتمكن الجانبان من تجاوزها بسهولة.
وعلى العكس من ذلك، تحاول السعودية المضي قدما في الوفاء بالتزاماتها حول الحفاظ على استقرار سعر الخام، رغم التحديات المتمثلة في تراجع حصة منتجين آخرين، وعقوبات غير مسبوقة تستهدف الولايات المتحدة من خلالها تجفيف الصادرات الإيرانية من النفط بشكل حاسم.
وقال الفالح “إذا ارتفعت أسعار النفط أكثر من اللازم، فإنها ستبطئ الاقتصاد العالمي وستطلق شرارة ركود عالمي. والسعودية ثابتة في سياستها. نعمل على إحلال الاستقرار بالأسواق العالمية وتيسير النمو الاقتصادي العالمي. هذه السياسة ثابتة منذ سنوات عديدة”.
وتابع “لدينا عقوبات على إيران، ولا أحد يعلم كيف ستكون الصادرات الإيرانية. ثانيا، هناك تراجعات محتملة في دول شتى مثل ليبيا ونيجيريا والمكسيك وفنزويلا”.
وأضاف “إذا اختفت ثلاثة ملايين برميل يوميا، فلا يمكننا تغطية هذا الحجم. لذا علينا استخدام الاحتياطيات النفطية”.
وأوضح الفالح أن السعودية ستزيد الإنتاج قريبا إلى 11 مليون برميل يوميا من 10.7 مليون حاليا. وأشار إلى أن الرياض تستطيع زيادة الإنتاج إلى 12 مليون برميل يوميا وأن الإمارات العربية المتحدة تستطيع إضافة 0.2 مليون برميل أخرى يوميا.