"بانتظار تعليمات أخرى".. دراما غامضة مفتوحة على المجهول

فيلم "بانتظار تعليمات أخرى" للمخرج جوني كيفوركيان تحضر فيه الكثير من الاحتمالات المفتوحة على المجهول، والمتسقة مع عنصر المفاجأة.
الاثنين 2018/10/22
أجواء من الرعب تفتك بالجميع

الاحتمالات المفتوحة على المجهول، والمتسقة مع عنصر المفاجأة، بناء سردي حفلت به العديد من أفلام الخيال العلمي، الأمر الذي يطرح سؤال “ماذا لو؟”، بما يتيحه للمُشاهد من متعة الولوج إلى احتمالات لا تنتهي توفرها تلك الدراما الغامضة.

وفي الفيلم الجديد “بانتظار تعليمات أخرى” للمخرج جوني كيفوركيان تحضر الكثير من المعطيات التي أشرنا إليها آنفا.

 

الأفق المفتوح على التوقّعات والاحتمالات يشكّل ميزة أساسية في سينما الخيال العلمي، وتلك الميزة تتفاعل بقوة مع ما هو قادم ومستقبلي، إذ لا بد أن تستجد متغيّرات ما، تجعل من الممكن وقوع أحداث تقلب المسارات الدرامية باتجاهات متعددة، والحاصل أن لا شيء يبقى على ما هو عليه في ظل تلك التحولات الدرامية.

للوهلة الأولى ومع بداية أحداث الفيلم يبدو كل شيء طبيعيا، استعدادات لأعياد الميلاد ورأس السنة في داخل منزل عائلة من الطبقة الوسطى، عندما يعود الابن نيل (الممثل سام كيتنس) رفقة خطيبته إنجي (الممثلة نيرجا نيل) إلى أحضان الأسرة بعد غياب دام لسنوات، تفرح الأم بيث (الممثلة إبيكيل كروتندين) بقدوم الابن معبّرة عن شوقها للقائه، فيما الأب (الممثل كرانت ماسترس) لا يبدو مهتما.

وخلال بضعة مشاهد تتضح الأجواء السلبية، حيث بدت مشاعر عدم الارتياح من جميع الأطراف، ليتوجها الجد (الممثل ديفيد برادلي) في الإفصاح عن مشاعر كراهية عنصرية تجاه الأجانب، والموجهة خاصة للخطيبة إنجي ذات الأصول المهاجرة.

وبعدما يتفاقم الأمر ويشعر نيل وإنجي أن مجيئهما كان خطأ، وأن عليهما الفكاك من تلك الأسرة غير الحنونة، يقرر الاثنان الخروج من المنزل ليفاجئا أن جميع أبواب ونوافذ المنزل قد أقفلت بإحكام، وضربت بصفائح حديدية حتى يغدو من الصعب اختراقها.

ويكتشف الجميع أن جميع وسائل الاتصال قد تم قطعها ولم تبق إلاّ شاشة التلفاز تحمل عبارة واحدة هي “انتظروا تعليمات أخرى”.

تتطور الدراما الفيلمية إلى تعرض المكان بأكمله إلى كارثة لا أحد يعرف ما هي؟ هل هو وباء ضرب البلاد أم ضربة كيمياوية أو غير ذلك؟

ومن ضمن ما يحمله التلفاز من تعليمات وجود شخص ما في داخل ذلك البيت فيه عدوى، ولهذا يتم حجر إنجي مع جثة الجد لسبب عنصري بحت.

تتصاعد الدراما وتتشعب خطوط السرد في ما بين الشخصيات المحاصرة التي سوف يفصح كل منها عمّا في داخله، كما يفيض اللاوعي والسلوكيات العدوانية.

ومن هناك، يسترجع الأب ذكريات مهينة مع الجد والزوجة المدمرة نفسيا بسبب زوج متزمّت دينيّا وفي نفس الوقت شرير وعدواني، والشقيقة الحامل التي تكره شقيقها ولا يهمها أن يموت أمامها أو يُجرى حجره مع خطيبته إنجي، التي تجد نفسها وسط دوامة غرائبية من الشخصيات العدوانية المتناقضة.

وخلال ذلك زادت مساحة الاحتمالات حول ما جرى؟ ولماذا البيت محاصر؟ وهل هي عملية إرهابية؟ وهل أن البلاد كلها مطوّقة بهذا الشكل؟ أم أن الأمر مقتصر على هذه العائلة؟ وهي أسئلة لم تكن هناك إجابة جاهزة حولها.

ومنحت الحبكات الثانوية المتعاقبة تصعيدا دراميا كما عمّقت السرد الفيلمي، ومنها مثلا إدخال جرعات الدواء من خلال النوافذ لمقاومة الوباء، والتي سوف تؤدي لموت بشع للجد ثم موت الفتاة الحامل، ومنها أيضا اكتشاف إنجي وجود جسم غريب يتحكم بما يعرض على شاشات التلفزيون، ثم قيام نيل بقطع البث التلفزيوني ممّا يعرضه لعقاب الأب، وحبكات ثانوية أخرى عديدة.

المخرج وظف شاشات التلفزيون في إطارها الرمزي، وهي التي باتت تتحكم في سلوك الشخصيات، كما تقرر مصائرهم

وبسب محدودية المكان، حيث تمّ التصوير في حدود غرف المنزل وطبقاته فقد أجاد المخرج استخدام الحيّز المكاني بالارتباط بكل شخصية، كما أن تواتر الأحداث غطت كثيرا على الرتابة المكانية حتى تم تغييب عنصر الزمن فيما إذا كانت الأحداث تقع في ليل أو نهار.

وفي المقابل، نجد أن كاتب السيناريو والمخرج ولقناعتهما، كما يبدو، في عدم إشباع الفيلم بما يكفي من أحداث، فقد عمدا في الجزء الأخير من الفيلم إلى تصعيد أخر تميّز بكونه ينتمي إلى نوع مشاهد الرعب.

فالأسلاك السوداء تبدأ بالخروج من جهة التلفزيون ومن النوافذ لتجهز على الموجودين تباعا، وما يجري للأب سيكون هو البشاعة بعينها، إذ يجرى التنكيل به، كما أن تلك الأسلاك التي تدبّ كالأفاعي في كل مكان تأتي على جسد الفتاة الحامل فتلتهمه بالكامل وتبقيه عظاما، ما عدا الطفل الذي يخرج حيا.

مشاهد فيها مبالغات كبيرة ووظيفتها لم تزد الفيلم وأحداثه جمالية ولا تنويعا، بل بالعكس بدت مشاهد مضافة لا تأثير لها في مجمل البناء الدرامي.

والملاحظ هنا، هو استخدام شاشات التلفزيون في إطارها الرمزي، وكيف صارت تتحكم في سلوك الشخصيات، كما تقرر مصائرهم، وهي إشارة ذات معنى ولم يكن توظيفها عابرا بكل تأكيد.

وعلى صعيد الأداء، فقد قدمت الشخصيات أداءً متقنا متميزا، لا سيما وأن الأمر مرتبط بالسلوك الشخصي والتداعيات النفسية، فضلا عن التقاطعات التي أدت إلى صراع مباشر، وتحوّل المنزل إلى ساحة قتال وانتقام بين الشخصيات وبروز دوافع انتقامية وأنانية شديدة.

16