روسيا تتحرك لوصل دمشق بمحيطها في ظل اطمئنانها لاتفاق إدلب

دمشق – مع اطمئنانها لسير تطبيق اتفاق إدلب، كثفت روسيا من تحركاتها الدبلوماسية لفك عزلة النظام السوري، وإعادة وصله تدريجيا بمحيطه، وليس أدل على ذلك من لعبها دورا محوريا في إعادة فتح المعابر السورية مع الجوار، والذي لم يكن أحد يتوقعه قبل سنوات قليلة دون تحقق انتقال سياسي حقيقي في سوريا ينهي حكم الرئيس بشار الأسد.
وأعربت روسيا الثلاثاء عن “رضاها” تجاه عمل الجيش التركي لإقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب، التي تم الاتفاق عليها بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في 17 سبتمبر الماضي بسوتشي، ما جنب المحافظة عملية عسكرية وشيكة للنظام السوري تستهدفها.
ويعتبر الكرملين أن تركيا جادة في تطبيق الاتفاق، بالرغم من عدم التزام الحركات المتشددة (هيئة تحرير الشام) بالمهلة المحددة للخروج من المنطقة العازلة، وأنه مطمئن لما يحصل هناك، وهذا ما يمنحه المجال للسعي إلى إعادة تعويم النظام وربطه مجددا بمحيطه.
ويرى مراقبون أن زيارة وفد روسي إلى الرياض واجتماعه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يندرج في هذا السياق.
وأعلنت وزارة الخارجية الروسية الثلاثاء أن وفدا ضم مسؤولين من وزارتي الخارجية والدفاع سافر إلى السعودية واجتمع مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمناقشة الأزمة السورية. وذكرت الوزارة أن الزيارة التي استغرقت يومين بدأت الأحد.
جيفري سيركز خلال جولته على تحقيق تسوية تأخذ في الاعتبار مطالب مختلف مؤثثي المشهد السوري ومن بينهم الأكراد
وقالت إن الوفد الروسي عقد محادثات أيضا مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.
ونجحت روسيا منذ تدخلها المباشر في سوريا بالعام 2015 في قلب موازين القوى لصالح نظام الرئيس بشار الأسد، بعد أن كان على شفى الانهيار رغم الدعم الإيراني الكبير الذي كان يتلقاه حينها.
وقد تمكن النظام السوري بفضل الدعم الروسي من استعادة السيطرة على معظم المحافظات وآخرها درعا والقنيطرة في جنوب البلاد، وهو يبدو مرتاحا لجهة أن الاتفاق الروسي التركي بشأن إدلب سيقود في نهاية المطاف إلى استعادته السيطرة على هذه المحافظة الاستراتيجية. وتعمل روسيا على تثبيت إنجازاتها العسكرية في سوريا سياسيا وهو ما يفسر تحركاتها الأخيرة، في المنطقة، فبعد نجاحها في إعادة فتح حدود سوريا مع كل من الأردن وإسرائيل وقريبا جدا العراق تتجه الآن لإقناع الدول العربية بضرورة عودة دمشق إلى الجامعة العربية وأيضا عودة اللاجئين خاصة في الجوار إلى المناطق الآمنة في سوريا.
ويعتقد على نطاق واسع أن الوفد الروسي قد طرح على المسؤولين في المملكة العربية السعودية مسألة عودة سوريا لمقعدها في الجامعة الذي تم تجميده في العام 2012 على وقع اتهام النظام بارتكاب انتهاكات وتجاوزات بحق المتظاهرين ضد حكمه.
وذكرت وزارة الخارجية الروسية في بيان أن المحادثات بين الوفد الروسي والأمير محمد بن سلمان شملت قضايا الشرق الأوسط بوجه عام وشمال أفريقيا لكنها ركزت بشكل خاص على سوريا.
ويرى مراقبون أن توقيت الزيارة يعكس حقيقة أن روسيا أرادت استثمار حالة “التوتر” التي شابت العلاقة بين الرياض وواشنطن في الأيام الأخيرة ومحاولات استهداف المملكة من خلال قضية اختفاء الصحافي جمال خاشقجي في تركيا لكسب الرياض إلى صفها ودعمها في رؤيتها لتسوية الأزمة السورية.
ولطالما دعت الرياض إلى تسوية سياسية للأزمة السورية، وهي ترى بأن خروج إيران وميليشياتها سيكون مؤثرا بشكل حاسم لصالح فض الصراع المستمر منذ العام 2011.
وتتشارك العديد من دول المنطقة هذا الموقف. وتدرك روسيا أن الخروج الإيراني هو مفتاح الحل، بيد أنها لا تريد أن تدخل في صدام الآن مع حليفتها على الميدان في سوريا، وتفضل ترك هذا المعطى إلى حين توصل جميع الأطراف إلى قناعة بأن وجودهم في سوريا بلغ منتهاه وحان وقت الانسحاب.
وتوجه روسيا أنظارها اليوم إلى سبل إعادة تعويم النظام القائم في سوريا. ويرجح أن يطرح الرئيس فلاديمير بوتين على نظيره المصري عبدالفتاح السيسي في القمة المنتظرة بينهما، الأربعاء، في سوتشي زيادة دعم القاهرة للجهود الروسية في هذا الإطار وقد يضع على عاتقها إقناع الدول المعترضة على عودة سوريا لجامعة الدول العربية.
وبدأ الرئيس المصري الاثنين زيارة إلى روسيا لمدة ثلاثة أيام تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية والتنسيق بشأن القضايا المشتركة ومنها القضية السورية، التي يقول محللون إن القاهرة قادرة على أن تلعب دورا متقدما في المرحلة الحالية التي تأخذ الدبلوماسية فيها الحيز الأكبر من الاهتمام في ظل تراجع العمليات العسكرية. وكان وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري قد دعا الاثنين خلال مؤتمر صحافي بدمشق مع نظيره السوري وليد المعلم إلى ضرورة عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، وأن هناك تحركات في هذا الصدد.
وفي مقابل الحراك الروسي الذي يظهر أنه يؤتي ثماره تسجل في المقابل حركة أميركية مضادة يقودها المبعوث الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، الذي بدأ الاثنين جولة في المنطقة تشمل كل من تركيا وقطر والسعودية.
الأسد يزور العام المقبل روسيا والقرم
دمشق – أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن الرئيس فلاديمير بوتين وجّه دعوة إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد لزيارة روسيا وشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا إليها خلال نزاعها مع أوكرانيا. ولا يعرف ما إذا كانت هذه الدعوة جرت خلال استقبال الأسد، الثلاثاء لوفد من المسؤولين في القرم يترأسه رئيس الوزراء يرجي أكسيونوف.
وكانت وكالات أنباء روسية قد نقلت في وقت سابق أن الرئيس السوري لديه خطط مبدئية لزيارة القرم في أبريل العام 2019، وأنه يجري مباحثات بشأن بدء رحلات طيران منتظمة بين سوريا وشبه الجزيرة. وترزح القرم تحت وطأة عقوبات غربية منذ أن ضمتها روسيا مـن أوكرانيا عـام 2014. وتخضع سوريا أيضا لعقوبات يفرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عليها. ونقلت الوكالات تقريرها عن أعضاء الوفد من القرم الذي يزور دمشق. وروسيا حليف رئيسي للأسد في الصراع السوري المستمر منذ أكثر من سبع سنوات. وزار زعيما منطقتين انفصاليتين في جورجيا تدعمهما روسيا، هما أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، دمشق هذا العام.
وبحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية، فإن جولة المسؤول الأميركي ستستمر إلى 23 أكتوبر الجاري، لإجراء مباحثات مع مسؤولي الدول المذكورة حول آخر التطورات بسوريا.
وذكر البيان أن جيفري سيلتقي في محطته الأولى تركيا، عددًا من المسؤولين الحكوميين، إلى جانب زعماء المعارضة السورية، وجماعات المجتمع المدني السوري.
وتابع البيان موضحًا أن جيفري “سيؤكد خلال هذه المباحثات التزام الولايات المتحدة بتحقيق تسوية سياسية في سوريا، وبتهيئة الأرضية من أجل كافة الحلول التي تتواءم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254”.
والقرار 2254 صوّت عليه مجلس الأمن يوم 18 ديسمبر 2015، وينص على بدء محادثات السلام بسوريا في يناير 2016.
وأكد القرار أن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلاد ودعا إلى تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية مطالبا بوقف أي هجمات ضد المدنيين بشكل فوري.
ويرى مراقبون أن جيفري سيركز خلال هذه الجولة على ضرورة تحقيق تسوية سياسية تأخذ في الاعتبار مطالب مختلف مؤثثي المشهد السوري ومن بينهم الأكراد الذين يعتبرون ثاني قوة مسيطرة على الأرض، ويطالبون بتطبيق الفدرالية في سوريا الأمر الذي تعارضه كلا من دمشق وموسكو.
كما من المرجح أن يحاول جيفري قطع الطريق على مساعي روسيا لتعويم النظام في ضوء موقفه العلني تجاه الوجود الإيراني الذي يعد تهديدا للأمن القومي في المنطقة، ولدى جيفري ورقة مهمة جدا للضغط على روسيا وهو ملف إعادة الإعمار.
وتجدر الإشارة إلى أن جيفري، كان السفير الأميركي السابق لدى العاصمة التركية أنقرة، وبدأ مهام عمله الجديد في17 أغسطس الماضي، وزار في أول جولة خارجية له كمبعوث، كلا من إسرائيل والأردن وتركيا، وذلك من 1 إلى 4 أكتوبر الجاري.