الخرطوم تلجأ إلى طباعة النقود لمواجهة شح السيولة

الخرطوم – أعلنت الخرطوم أمس البدء في عملية طبع فئات من العملة المحلية لسد الفجوة الكبيرة في التمويل، وسط تفاقم الأزمات الاقتصادية للبلاد بعد عام من رفع العقوبات الأميركية والتي استمرت لعقدين من الزمن.
ويثير اللجوء لطباعة النقود استياء الأوساط الاقتصادية والشعبية، التي تعتقد أن الخطوة ستعمق جراح الاقتصاد السوداني، ويعكس فشل السياسات الحكومية في معالجة الأزمات المتراكمة بشكل جذري، رغم أن البعض يرى عكس ذلك.
ونقلت وكالة السودان للأنباء عن البنك المركزي السوداني قوله في بيان أمس إن الخرطوم “بدأت في طباعة عملة فئة 100 جنيه للمرة الأولى وسط أزمة في السيولة النقدية”.
وتحاول الحكومة السودانية خفض الإنفاق في الوقت الذي تواجه فيه ارتفاعا قياسيا في التضخم ونقصا في العملة الصعبة، فضلا عن تزايد القلق بشأن تراجع حجم السيولة النقدية في البنوك.
ويقول الخبير الاقتصادي هيثم فتحي إن طباعة نقود دون أن يكون لها غطاء ستؤدي لارتفاع الأسعار، إذ يزيد المعروض النقدي دون أن تقابله زيادة موازية في السلع والخدمات.
وأصبح مشهد الصفوف الطويلة خارج البنوك التجارية مألوفا في أنحاء العاصمة السودانية الخرطوم خلال الأسابيع القليلة الماضية مع تقلص السيولة من العملة المحلية وخلو أجهزة الصراف الآلي من النقود.
وفي دليل على نقص السيولة النقدية من السوق، تقرر وضع حد أقصى للسحب النقدي في بعض الأماكن بنحو 500 جنيه (17.06 دولار).
ويواجه الاقتصاد السوداني صعوبات منذ انفصال الجنوب في العام 2011 مستحوذا على ثلاثة أرباع إنتاج النفط ليحرم الخرطوم من مصدر حيوي للعملة الصعبة.
بنك السودان المركزي: بدأنا في طباعة عملة ورقية من فئة 100 جنيه للمرة الأولى
ويرى البعض من الاقتصاديين أن قرار الحكومة سيعالج المشكلة نسبيا، ونسبت وكالة رويترز للخبير عبدالله الرمادي قوله إن “طباعة فئة المئة جنيه خطوة في الاتجاه الصحيح لأن ارتفاع معدلات التضخم خفض من القيمة الشرائية للفئة من قيمة الخمسين جنيها”.
وأوضح أن القرار سيساعد في حل أزمة نقص السيولة التي أضرت الأشهر الماضية بالاقتصاد السوداني والمركزي يتوجب عليه زيادة الكتلة النقدية لتجاوز الأزمة.
وتتزايد الضغوط على الحكومة من أجل الإسراع في انتهاج سياسات اقتصادية جديدة للحد من تراجع قيمـة العملة المحلية ومحاصرة التضخم وتحقيق معدلات نمو مستـقرة مع دخـول البـلاد في مرحـلة حرجة.
وفي سبتمبر الماضي، أي بعد 11 شهرا من رفع الولايات المتحدة عقوبات تجارية فُرضت على الخرطوم، قام الرئيس عمر البشير بحل الحكومة، مشيرا إلى “حالة الضيق والإحباط” وخفض عدد الوزارات في الحكومة الجديدة بواقع الثلث من أجل تقليص الإنفاق الحكومي.
ويعتبر التضخم في السودان من أعلى المعدلات في العالم، حيث بلغ أكثر من 60 بالمئة، في حين أن العملة المحلية متداولة بأقل من نصف قيمتها قبل عام مقابل دولار في السوق السوداء التي حلت عمليا محل النظام المصرفي الرسمي.
وخابت التوقعات المتفائلة عقب إلغاء الحظر التجاري الأميركي، بتحسن سعر صرف الجنيه، الذي تعرض لمضاربة من تجار العملات، تسبب في انخفاض قيمته بشكل لافت مقابل العملات الأجنبية.
وخفض المركزي قيمة الجنيه من 6.7 إلى حوالي 29 جنيها للدولار في العام الأخير، لكن السعر في السوق السوداء يظل أضعف بكثير وسجل حوالي 45 جنيها أمس.
وكانت السلطات قد أطلقت سلسلة من الحملات خلال الأشهر الماضية على تجار العملة في السوق السوداء لكبح نشاطهم المتزايد الذي قوض النظام المصرفي، في حين توقف مستوردون عن ممارسة أعمالهم نتيجة تقلص المعروض من الدولار.