فشل الحكومة في إقناع الشارع الأردني بقانون الضريبة يضع مستقبلها على المحك

عمان – تواجه الحكومة الأردنية صعوبة في التسويق لمشروع قانون جديد للضريبة على الدخل، في ظل رفض شعبي متصاعد، ينذر بموجة جديدة من الاحتجاجات في حال تم تمريره في البرلمان بصيغته المطروحة.
وتعرض الفريق الحكومي المكلف بالتسويق لمشروع القانون الجديد لهجوم حاد أدى إلى انسحابه من عدة لقاءات حتى قبل انطلاقتها مع فعاليات شعبية في أكثر من محافظة آخرها الأربعاء في محافظتي جرش وعجلون شمال غربي الأردن.
وقد شهدت عدة مناطق ومدن كالمفرق والعقبة والزرقاء ومأدبة ومعان وقفات احتجاجية قبيل زيارات الفريق الحكومي تضمنت دعوات تطالب بتغيير النهج الاقتصادي للحكومة، ورفع الضرائب على الشركات الكبرى والبنوك ومحاربة الفساد المستشري، والابتعاد عن جيب المواطن.
ويثير هذا الرفض الشعبي اللافت لمشروع القانون قلق الأوساط الحكومية وحتى البرلمانية التي لا تملك ترف الخيار سوى تمريره، في ظل ضغوط صندوق النقد الدولي، الذي يطالب بمعالجة 100 مليون من التهرب الضريبي و180 مليونا تحصيل ضريبة الدخل.
وقالت أوساط سياسية إن أكثر ما يدعو إلى القلق هو حدوث موجة ثانية من الاحتجاجات الشعبية، التي ستكون في حال وقعت على خلاف سابقاتها من حيث خطورتها.
ردة فعل الأردنيين على المشروع كانت متوقعة خاصة وأنه نسخة منقحة عن المشروع السابق الذي أثار احتجاجات غير مسبوقة
وكانت الحكومة الأردنية قد بدأت قبل أيام حملة تسويقية للمشروع -الذي لا يختلف كثيرا عن سابقه- لدى الفعاليات الشعبية التي لم تترك المجال للوزراء المكلفين بتقديم تفسيرات وتوضيحات للبنود التي تضمنها، وأبدت موقفا رافضا ومستهجنا بشدة حياله منذ البداية، ما دعا الوزراء للانسحاب في العديد من اللقاءات.
وعلق رئيس الحكومة الأردنية عمر الرزاز على طرد مواطنين للفريق الحكومي من المحافظات خلال لقاءات الحكومة بأن “ما حدث يستدعي دراسته” مشددا على “ضرورة وجود حوار بناء تنتج عنه المقترحات والتوصيات”.
ويرى مراقبون أن ردة فعل المواطنين الأردنيين على المشروع كانت متوقعة خاصة وأن المشروع الجديد هو نسخة منقحة عن المشروع السابق الذي أدى إلى احتجاجات غير مسبوقة أطاحت بحكومة هاني الملقي في يونيو الماضي.
من أبرز التعديلات على قانون ضريبة الدخل الجديد أنه خفض الدخل للعائلات إلى 18 ألف دينار أردني، نزولا من 24 ألف دينار أردني حاليا، وللأفراد إلى 9 آلاف دينار أردني بدلا من 12 ألف دينار.
ويقول خبراء إن أجواء الغضب التي رافقت جولات الوزراء تتعدى مسألة رفض مشروع الضريبة، إلى رفض الطاقم الذي يؤثث المشهد الحكومي، حيث أن الشارع كان يأمل حينما تمت تسمية عمر الرزاز غير المنتمي إلى الطبقة التقليدية رئيسا للوزراء في يونيو الماضي أن يكون ذلك مقدمة للقطع مع الوجوه القديمة والنهج السابق خاصة في التعاطي مع الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، بيد أنه (الشارع) فوجئ ببقاء 15 وزيرا من الحكومة السابقة التي ثار عليها في الدوار الرابع (مقر الحكومة).
وشكلت التوليفة الحكومية القديمة الجديدة خيبة أمل كبيرة تحولت إلى غضب مع الإعلان عن بنود الضريبة الجديدة على الدخل.
ويرى مراقبون أن موقف عمر الرزاز وحكومته صعب جدا، فهم من جهة مضطرون إلى القيام بإصلاحات اقتصادية مؤلمة من ضمنها سن قانون ضريبة جديدة لإنعاش الوضع الاقتصادي المتهالك والحفاظ على دعم صندوق النقد الدولي ومن جهة ثانية هناك خشية من تفجر الاحتجاجات مجددا.
وقال رئيس الوزراء عمر الرزاز الأربعاء “إن الحكومة تدرك تماما شعور المواطن بالإحباط العام نتيجة تراكم الصورة العامة إزاء عدم توفير الخدمات له وبما يليق به وأنه من واجب السلطة التنفيذية مصارحة المواطن وتبيان الأسباب الموجبة للقرارات الاقتصادية التي يتم اتخاذها والتي تهدف إلى وضع الاقتصاد على مساره الصحيح ومعالجة الخلل الذي اعتراه”، مؤكداً في ذات الصدد على أن كُلف تأجيل الحلول الصعبة للاقتصاد ستكون غالية الثمن على الجميع.
وفيما يتعلق بمشروع قانون ضريبة الدخل، أكد الرزاز على مبدأ الصراحة في التعامل مع هذا القانون أمام الرأي العام، قائلاً إنه إذا لم يتم إصلاح القانون فإنه على الجميع إدراك تداعياته على الاقتصاد، مبيناً أنه من واجب الحكومة إبلاغ الرأي العام بالحقائق وواقع الحال الاقتصادية.
وأضاف أنه لا سلطة للحكومة بفرض القانون على أحد، ولكن الأمل معقود على الوعي الاجتماعي والسياسي والاقتصادي تجاه رفضه، مطالباً من الجميع أن يكونوا في مستوى المسؤولية، مؤكداً على الحوار البناء الذي من شأنه تقديم الملاحظات والتوصيات. ولفت إلى أن غالبية المواطنين في المحافظات الذين يحضرون لقاءات الوزراء ليسوا معنيين بقانون ضريبة الدخل، ولن يتأثروا به إطلاقا، مشيرا إلى أن هذا الحجم من الاحتقان يعكس حالة الغضب المتراكمة على الوضع العام ويجب معالجته بكل مسؤولية وصراحة.
وأشار عمر الرزاز إلى أن الحكومة تعمل على تبويب الملاحظات التي ترد بشأن مشروع قانون ضريبة الدخل لتتم دراستها وأخذ الممكن منها، لافتا إلى أن الأموال المتحققة من الضريبة ستعطي الحكومة القدرة على تخفيض ضريبة المبيعات وبما ينعكس على المواطن بشكل مباشر وإيجابي.
وحرص الرزاز في تصريحاته على الإشارة إلى دور البرلمان بخصوص سن قانون الضريبة على الدخل قائلا إن السلطة التشريعية هي صاحبة الشأن في إقراره.
وبدا أن مجلس النواب يحاول أن ينأى بنفسه عن تحمل مسؤولية مشروع الضريبة ملقيا الكرة في ملعب الحكومة، الأمر الذي فسره مراقبون بأن الأخير يخشى أن تطاله ردود فعل الشارع الغاضبة كما حدث في مايو الماضي حينما رفع المحتجون شعارات تطالب بحل البرلمان.
ويقول خبراء إنه ليس من المرجح أن تقدم الحكومة على إعادة النظر في مشروع الضريبة الذي أعادت صياغته بعد نقاشات صعبة مع صندوق النقد الدولي، وأنها قد تسارع إلى إلقائه في حضن النواب خلال الدورة الاستثنائية المنعقدة حاليا.
وحذر نقيب المعلمين السابق والنائب الأسبق مصطفى الرواشدة في تصريحات صحافية من أن عرض قانون الضريبة على الدورة الاستثنائية سيكون خطوة غير مدروسة وسيعمق الأزمة.
وبين الرواشدة أنه لا بد من الذهاب به إلى الدورة العادية القادمة وترك مساحة كافية للنواب لمناقشته وتعديل ما يجب تعديله من مواد القانون وخصوصاً المواد الخلافية وسيكون ذلك بمثابة بوابة للخروج من الأزمة.
ويعاني الاقتصاد الأردني من أزمات هيكلية لها علاقة بالفساد والتهرب الضريبي ازدادت وطأتها في السنوات الأخيرة نتيجة الصراعات في الجوار والتي اضطر معها الأردن إلى استقبال مئات الآلاف من النازحين فضلا عن إغلاق المعابر الحدودية مع كل من العراق (تم فتحها قبل أشهر) وسوريا الأمر الذي أضر كثيرا بالتبادل التجاري للمملكة وأدى إلى كساد مع حالة تضخم كبيرة.