حظر النقاب في المدارس الجزائرية يصطدم بمقاومة الجيوب السلفية

قرار وزارة التربية الجزائرية حظر النقاب في المؤسسات التربوية والجامعية، وقع تفعيله عمليا مطلع هذه السنة الدراسية، وبمساندة من وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، الأمر الذي بدأ يثير تململ واستياء الأوساط الإسلامية بمستويات متباينة وتحت ذرائع مختلفة فيها الكثير من المراوغات السياسية، لكن هذه الخطوة كان لا بد منها، لما تمثله المؤسسات التعليمية في الجزائر من حواضن للفكر المتطرف، وتتجه الأنظار إلى التركيز على الإسلام الصوفي نظرا لتغلغله الشعبي وجنوحه نحو السلم الأهلي.
الجزائر – دخل قرار نزع النقاب في المؤسسات التربوية والجامعية الجزائرية، حيز التنفيذ بداية من الموسم الدراسي الجديد، وسط مقاومة من أنصار التيار السلفي، الذين لم يترددوا في توجيه تهم محاربة القيم الروحية للشعب الجزائري، لتفتح بذلك حلقة جديدة بين جيوب التطرف والوزيرين المسؤولين عن القطاعين ومن ورائهما الحكومة.
نقل أنصار التيار السلفي في الجزائر معركة مقاومة التوجهات الجديدة لوزيرة التربية نورية بن غبريط، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي طاهر حجار، إلى منصات التواصل الاجتماعي، للتباكي على زي النقاب الذي تم حظره في المدارس والجامعات، بداية من الموسم الدراسي الجاري.
وأظهرت تسجيلات ومنشورات في صفحات ومدونات لناشطين في التيار السلفي، رفضا قاطعا لقرار الحكومة القاضي بحظر النقاب، والاستعداد للتضحية بمنصب الشغل بدل التنازل عما يعتبرونه دليلا على “العفة والتدين وتطبيق شرع الله في الأرض”، وأظهرت موظفات ومدرّسات في قطاع التربية والتعليم يتباكين على النقاب، كرمز للمرأة المسلمة وكعنوان للعفة والاستقامة.
ويجري تنفيذ قرار الحظر بناء على تعليمات وأوامر وجهت للهيئات الإدارية في جميع المدارس والجامعات والأحياء، بحظر ارتداء الحجاب على أي أستاذة أو موظفة أو طالبة، بدعوى متطلبات معرفة هوية المرأة المعنية وحماية المؤسسات التعليمية من أشكال ومضامين التطرف الديني.
وعرف القرار تأخرا في دخوله حيز التنفيذ، فرغم صدوره العام الماضي أُرجئ عدة أشهر بسبب سعي الحكومة لتحييد القطاع عن الجدل المتصاعد، وإمكانية توظيفه في إثارة اضطرابات في الكادر البيداغوجي والإداري للقطاع الذي يعيش على وقع حركات احتجاجية متكررة في السنوات الأخيرة.
قطاعات التعليم والشؤون الدينية والإدارة مثلت الحواضن المثالية لتوسع التطرف، قبل صدور قرار وزارة التربية حظر النقاب
ويبدو أن حركة المقاومة التي يظهرها عادة الإسلاميون والمحافظون في مثل هذه المواقف والقرارات المتصلة بالمسائل الدينية، ستكون أقل حدة في ظل صمت القوى السياسية والتنظيمات الفاعلة.
واقتصرت ردود الفعل لحد الآن على بعض الجيوب السلفية، وما يعرف بـ“التنسيقية الوطنية لأساتذة العلوم الإسلامية” التي فتحت النار على وزيرة التربية نورية بن غبريط، بعد أيام قليلة من انطلاق السنة الدراسية الجديدة.
وقالت في بيان لها إنها “كشفت المستور عن الإصلاحات الجديدة التي صرحت الوزيرة بتجسيدها، سعيا منها لضرب مواد الهوية الوطنية ورموز الإسلام، بما فيها حذف البسملة، حظر النقاب والقميص بالمؤسسات التربوية، وتقليص الحجم الساعي لمادة العلوم الإسلامية”. واتهم الأمين العام للتنسيقية، بوجمعة محمد شيهوب، بن غبريط بأنها “مدعومة من طرف فرنسا العلمانية وتحاول كسر المنظومة التربوية”.
وكشف شيهوب عما أسماه بـ”استياء” أساتذة العلوم الإسلامية من تصريح الوزير الأول أحمد أويحيى، حول نفيه حذف البسملة من الكتب المدرسية والذي أثار ضجة كبيرة خلال السنة الماضية وإرجاع ذلك إلى خطأ مطبعي، لتتم بداية من السنة الدراسية الجديدة إعادة طبع الكتب دون بسملة، وهو ما اعتبره الأساتذة تراجع حكومة أحمد أويحيى، عن مواقفها السابقة.
وفي ما تبقى من جهات إسلامية فقد ساد الصمت الذي تلتزم به الأحزاب والجمعيات المحسوبة على التيار الإسلامي، على غرار جماعة الإخوان وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
ويرى متابعون لشؤون الإسلام السياسي في الجزائر أن “المؤسسات التعليمية والجامعية، شكلت خلال سنوات العشرية الحمراء بؤرة لنمو التيارات المتطرفة، قياسا لبعض المضامين والخطابات المساعدة على تنامي أفكار التشدد، وهو ما دفع الحكومات المتعاقبة منذ مطلع الألفية إلى مراجعة المنظومتين التربوية والتعليمية، في إطار استراتيجية الحرب على الإرهاب والتطرف”.
وترى في هذا الشأن المختصة في الشؤون النفسية والتربوية فاطمة الزهراء فاسي أن “مخطط تطوير وعصرنة المنظومة التعليمية في الجزائر، والذهاب بها من الكم إلى النوع، يتوجب تكييفه مع القيم الإنسانية والعالمية، وتحصينه من أفكار ومظاهر التشدد الديني”، في إشارة إلى المراجعات التي أدرجت على بعض المضامين والقرار المتعلق بحظر النقاب وتحديد اللباس المطلوب في المؤسسات التربوية والتعليمية.
وبالموازاة مع القرار المذكور، ركزت السلطات التعليمية في البلاد، في تعليمات وأوامر أخرى على ما أسمته بـ”الزي المحترم والمحتشم “، للحد من المظاهر المنافية للأخلاق العامة، وهو ما يكون قد سحب البساط من الإسلاميين الذين يستثمرون في كل ما له صلة بالدين، ويسحب منهم ورقة اتهام الحكومة بـ”تشجيع التوجهات العلمانية على حساب الثوابت والقيم الأخلاقية للمجتمع الجزائري”.
وفي خطوة لتأكيد التضامن الحكومي، أعرب وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى، عن مساندة دائرته الوزارية لـقرار زميلته في الحكومة، وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط، القاضي بحظر النقاب داخل المدارس وجميع المؤسسات التربوية في الجزائر.
وقال عيسى، في مقابلة مع الإذاعة الحكومية إن وزيرة التربية تقوم بعملها بشكل جيد ووصفها بالفطنة، وجاء قرار وزير الشؤون الدينية والأوقاف متماشيا مع قرار بن غبريط، التي قالت في تصريحات بمناسبة الإشراف على افتتاح الدخول المدرسي إنه يجب أن تكون هوية الموظف داخل قطاع التربية وداخل المؤسسة واضحة، “لا نستطيع تسيير عملية التعليم والتعلم بدون أن يرى التلميذ وجه أستاذته، وفيما يخص الرجال، يجب أن يكون لباسهم محترما كذلك، ويجب عليهم ارتداء لباس لائق ومحترم”.
وأضاف وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري في المقابلة الإذاعية أن “نشاط المدارس القرآنية سيخضع للمزيد من الرقابة التي تصب في صالح التلاميذ، وأن المصليات في الجامعات ستراقب من أجل الحد من التعصب والتشدد”، وهو ما يوحي بإمكانية مراجعة وزارته لبعض المسائل المتصلة بالتعليم الديني في البلاد، المعروف بممارسات مشابهة لتلك التي حظرتها وزارة التربية.
وتعكف الحكومة الجزائرية في السنوات الأخيرة، على مراجعات كثيفة لمختلف المضامين والأشكال المتصلة بالممارسات الدينية في قطاعات التعليم والشؤون الدينية، للحد من تغلغل الأفكار الحاملة لبذور التطرف الديني في إطار الحرب الموازية على الإرهاب، وتعمل على إرساء ما تسميه بـ“الوسطية والاعتدال”، عبر التمكين للتيار الصوفي، بوصفه المرجعية الدينية الأولى للبلاد.
ويقول مراقبون بأن أدوات دعم الحكومة الجزائرية للصوفية قد تنوعت منذ تولى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة السلطة ما بين دعم معنوي تَمَثَّل في احتضان المتصوفة وإعطائهم مساحة أكبر للظهور في المجتمع، أو دعم مادي تَمَثّل بدعمهم ماليًّا، من خلال ترميم الزوايا الصوفية وتجديد مبانيها.
وكانت قطاعات شبه عسكرية كالجمارك والشرطة، قد حظرت في السنوات الأخيرة ارتداء الحجاب على الموظفات المنتسبات إليها، في خطوة أولى للحد من انتشار هذا النوع من اللباس الذي يعتبره الإسلاميون “شرعيا” في المؤسسات الحكومية.