"ذا ميغ".. رعب وإمتاع بصريان في أعماق البحار

لا شك أن متعة المغامرة تشكل ركنا مهما في سينما الخيال العلمي، الخوض في المجهول وما يتبعه من مفاجآت، استكشاف أماكن وشخصيات وحقائق غير متوقعة، كل ذلك يمزج روعة المغامرة بالخيال.
قدّمت سينما الخيال العلمي تنوعا في التجارب السينمائية قام على حقيقة مفادها أن ما حولنا ليس هو كل شيء ولا هو النهاية، وإنما هناك ماديات أوسع في المجهول ومساحة المغامرة.
وإذا كنا شاهدنا العديد من الأفلام التي تروي قصصا في الفضاء الفسيح ومغامرة استكشافه ومواجهة كائنات فضائية عدوانية أو متفوقة، وتابعنا أيضا مغامرات في شتى الأماكن على سطح الأرض، فإننا سوف نعيش المغامرة في أعماق البحار في نوع من أفلام الخيال العلمي شكل فيه سمك القرش العنصر الأساسي.
واحتلت موضوعات أسماك القرش الفتاكة مساحة في سينما الخيال العلمي وبقي الكثير منها عالقا في الأذهان مثل الفيلم الشهير “الفك المفترس” للمخرج ستيفن سبيلبيرغ (إنتاج 1975)، وقبله فيلما “قرش” (1969) و”مياه زرقاء وموت أبيض” (1971)، ثم تلتها أفلام “بحر أزرق عميق” (1999)، و”ايجاد نيمو”، و”المياه المفتوحة”، و”منطقة القرش” و”مياه حمراء” وكلها أنتجت في العام 2003، مرورا بـ”12 يوما من الرعب” (2005) فـ”ليلة القرش” (2011)، و”شاركاندو” (2013)، وصولا إلى “شبح القرش” (2014) والعديد من الأفلام الأخرى.
وفي الفيلم الجديد “ذا ميغ” للمخرج جون تيرتولب المأخوذ عن كتاب “ميغ: رواية للرعب العميق” للكاتب ستيف التين سنكون (سنة 1997) إزاء ذلك المزيج من الخيال العلمي في أعماق البحار مع المغامرة والتجريب.
واقعيا بقي فيلم “الفك المفترس” لستيفن سبيلبيرغ أيقونة سينمائية فريدة تجعل كل من يخوض مجددا في قصص سمك القرش أمام سؤال: أي جديد سوف يأتي به على صعيد الشكل والمعالجة السينمائية والإقناع؟
ولا شك أن فيلم “ذا ميغ” وهو من إنتاج أميركي- صيني قد أصاب نجاحا تجاريا ملحوظا، إذ جمع حتى الآن حوالي نصف بليون من الدولارات أرباحا، فيما تكلف إنتاجه أقل من مئتي مليون دولار، ومع ذلك كان هناك اختلاف في تقييمه من قبل النقاد السينمائيين والمهتمين.
يشكل جوناس تايلور (الممثل جيسون ستاثام) الشخصية المحورية في الفيلم، فهو مغامر شجاع يبدو أنه مختص بعمليات الإنقاذ في أعماق البحار، ولهذا فهو يبدأ بإنقاذ ما يمكن إنقاذه من غواصة تعرضت للغرق، ليؤكد في الأخير أن هنالك كائنا بحريا عملاقا قد تسبب في الحادث، ولكن من دون أن يصدقه أحد. وفي موازاة ذلك تقع أحداث في مكان آخر، حيث تنشغل ثلة من العلماء والباحثين في مشروع للأبحاث البحرية يقوم على فرضية الغوض في مناطق مجهولة في الأعماق البحرية تتميز بخواص غير معروفة.
الفيلم يحتشد بسلسلة من المغامرات ومشاهد حبس الأنفاس وكلها تتركز على إجهاز القرش العملاق على كل ما حوله
ويشرف على المهمة الملياردير جاك موريس (الممثل راين ويلسون) بشراكة مع الدكتور تشانغ (الممثل وينستون تشاو)، حيث يتم اختراق سحابة كبريتية هايدروجينية هائلة من خلال غطاس بحري سيتعرض لاحقا إلى هجوم وحشي من كائن مجهول، ممّا يستوجب استدعاء جوناس، لا سيما أن أحد أعضاء الفريق زوجته لوري (الممثلة جيسيكا مكنامي) التي تواجه خطر الموت، ويوافق جوناس على الالتحاق بالمهمة ويتأكد له وجود قرش عملاق يصل طوله إلى عشرين مترا، هو الذي يتهدّد كل شيء.
يحتشد الفيلم بسلسلة من المغامرات ومشاهد حبس الأنفاس وكلها تتركز على إجهاز القرش العملاق على كل ما حوله.
لكن البطولة الفردية لجوناس سوف تحتل مساحة مهمة من الفيلم، فعلاوة على مجازفته بحياته لغرض غرس جسم معدني في جسم القرش، فإنه لا يتردّد في إنقاذ أي من فريق العمل المهدّدة حياتهم من قبل القرش.
وسنشاهد مع تتابع الأحداث عمليات إجهاز وحشية للقرش على أعضاء الفريق الواحد بعد الآخر، ويتحوّل الأمر إلى صراع من أجل البقاء بالنسبة للطرفين. وحشد فريق كتاب السيناريو حبكات ثانوية متعددة أسهمت في التصعيد الدرامي وتطوّر الأحداث، ومنها اطمئنان أفراد الفريق بأن هنالك قرشا واحدا ضخما ليكتشفوا أنهم كانوا على خطأ بسبب وجود قرش عملاق آخر.
صراع دام وموت محقّق يحف بذلك الفريق، أما بالنسبة لجوناس فإنه يخوض مغامرة ممتعة بالنسبة له وكلما شارف على الهلاك أفلت من الخطر.
واستخدم الفيلم الخدع السينمائية والمؤثرات البصرية لتحقيق متعة في المشاهدة ولتبديد النظرة المعتادة لفيلم من هذا النوع على أنه امتداد لأفلام أخرى سابقة عالجت الموضوع نفسه.
وعلى مستوى التمثيل، أدى أفراد فريق العمل أدوارا متفاوتة، لكن شخصية جوناس طغت على ما عداها من خلال المغامرات وحبس الأنفاس، وفي المقابل أدت سويان (الممثلة لي بنغ بنغ) وابنتها الطفلة دورا مهما أسهم في تصعيد الأحداث، لا سيما مع اكتشاف الطفلة وجود القرش الوحشي العملاق. واعتمد الفيلم تنوعا مكانيا ملفتا للنظر، ممّا أضفى جمالية على الأحداث، فقد تم التصوير في تايلند وفي الولايات المتحدة وصولا إلى الصين.
ربما كان مسار الأحداث القائم على الحركة السريعة وقوة المغامرة من أبرز ملامح ومميزات هذا الفيلم، وهي استخدامات زادت من متعة المتابعة لدى الجمهور، ولهذا حقّق “ذا ميغ” مثل هذا النجاح الملفت للنظر.