الاستثناء التونسي.. السياحة تغير المعادلة

تونس - فتح استقرار الأوضاع الأمنية في تونس خلال العامين الماضيين الأبواب على مصراعيها أمام ازدهار قطاع السياحة الذي أخذ طريقه نحو التعافي بفضل سياسة الإصلاح الاقتصادي التي تنفذها الحكومة والتي تأمل أن تنعكس على بقية القطاعات.
وكشفت بيانات حديثة أعلنت عنها وزارة السياحة هذا الأسبوع عن قفزة كبيرة في العوائد منذ مطلع العام مع تواصل تعافي القطاع من آثار الهجمات الإرهابية التي ضربت البلاد قبل ثلاث سنوات.
وقالت سلمى اللومي، وزيرة السياحة خلال مؤتمر عقد بالعاصمة التونسية، إن إيرادات القطاع قفزت بنسبة 42 بالمئة في الأشهر السبعة الأولى من 2018 مقارنة مع الفترة ذاتها العام الماضي، لتصل إلى 1.75 مليار دينار (640 مليون دولار).
وأشارت إلى أن عدد الوافدين بلغ في الفترة من الأول من يناير إلى 31 يوليو الماضيين نحو 4.4 ملايين سائح بزيادة 23 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2017.
وتوقعت الوزيرة أن يتجاوز عدد السياح حاجز 8 ملايين سائح بنهاية العام، مقابل أكثر من 7 ملايين سائح بمقارنة سنوية، وأقل من 6 ملايين سائح في 2016.
ويعتقد خبراء أن تونس بإمكانها استقبال أكثر منذ ذلك العدد لأن الأوضاع باتت مستقرة كثيرا، مع تواصل الملاحقات الأمنية ضد الإرهابيين، وبالتالي فإن العوائد يمكن أن تتجاوز ما حققته العام الماضي حينما بلغت قرابة 1.2 مليار دولار.
وانتعش القطاع مع عودة السياح القادمين من الأسواق التقليدية بعد رفع العديد من الدول الأوروبية لتحذير السفر نحو الوجهة التونسية في ظل الاستقرار الأمني عقب الهجمات الإرهابية الكبرى التي شهدتها البلاد عام 2015 والتي أدت بحياة 59 سائحا أجنبيا.
ولكن الاستراتيجية التونسية لا تعول على هذه الأسواق فحسب، بل تراهن أيضا على السوقين الصينية والروسية اللتين أنقذتا الموسمين الماضيين بعد عزوف السياح من الوجهات التقليدية مثل بريطانيا.
واستأنفت شركة “توماس كوك” البريطانية رحلاتها منتصف فبراير الماضي، بتخصيص ثلاث رحلات أسبوعيا، قبل أن تصل حاليا إلى 11 رحلة أسبوعيا، بعد أن علقتها في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي استهدف فندقا بمدينة سوسة منتصف 2015 وراح ضحيته 38 سائحا بريطانيا.
وانضمت شركة “توي غروب” الألمانية إلى عملاق الرحلات البريطاني في استئناف رحلاتها إلى البلد الأفريقي، الذي يعد إحدى أبرز الوجهات في حوض المتوسط، كما خففت اليابان، بالتزامن مع ذلك، حظر السفر عن مواطنيها بعد تحسن الأوضاع الأمنية.
وأعطى رفع الدول الإسكندنافية، وهي الدنمارك والنرويج والسويد وفنلندا وأيسلندا وجزر فارو، حظر سفر مواطنيها إلى تونس قبل ذلك، دفعة قوية للحكومة التي يقودها يوسف الشاهد التي تعمل على إقناع حكومات الدول بأن الوضع الأمني بالبلاد مستقر.
وسبق أن أعلنت كل من فرنسا وبلجيكا وهولندا وبولندا ولوكسمبورغ رفع حظر سفر مواطنيها إلى تونس، وهو مؤشر على عودة الثقة لشركائها التقليديين.
وعم التفاؤل الأوساط السياحية والشعبية في مارس الماضي، بطي صفحة المتاعب التي عانى منها القطاع، والذي يعد مؤشرا لقياس الأوضاع الاقتصادية، بعد انضمام تونس إلى اتفاقية “السموات المفتوحة”.
وستكون كافة المطارات مفتوحة أمام شركات الطيران الأوروبية خلال النصف الثاني من العام الجاري في مرحلة أولى ثم الشركات العالمية في مرحلة ثانية، ما عدا مطار تونس قرطاج سيكون خارج الاتفاقية لخمس سنوات لإعطاء الخطوط التونسية الوقت الكافي لاستعادة أنفاسها.
ويقول اقتصاديون إن الاتفاقية ستمكن من جلب المزيد من السياح إلى تونس، لكن هذا التفاؤل يخفي في طياته قلقا من إمكانية انهيار الناقلة المملوكة للدولة أمام المنافسة الشديدة التي ستعرفها فور دخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ.
وتأمل الحكومة في أن تساعد الاتفاقية على زيادة عدد المسافرين عبر مطارات البلاد ليبلغ نحو 20 مليون سائح في العشرية المقبلة.
8.9 مليارات دولار حجم الصادرات في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام مقابل 7.01 مليار دولار بمقارنة سنوية
وتشكل صناعة السياحة نحو 8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لتونس وتعد من أهم القطاعات لأنها توفر أكبر نسبة من فرص العمل بعد الزراعة، حيث تشير البيانات إلى أن 400 ألف شخص يعملون في السياحة.
ومن الواضح أن طموحات المسؤولين ليست لها حدود، بعد أن أثمرت الإجراءات الحكومية على كبح انفلات العجز التجاري منذ تفعيل القرارات مطلع العام الجاري.
وأظهرت بيانات للمعهد الوطني للإحصاء تواصل تحسن الصادرات بنسق ملحوظ خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة الحالية، حيث سجلت ارتفاعا بنسبة 23.3 بالمئة مقابل 15.9 بالمئة بمقارنة سنوية.
وبلغت قيمة الصادرات 8.6 مليار دولار مقابل 7.01 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي. كما ارتفعت الواردات بنسبة 20.8 بالمئة مقابل 18.8 في المئة بمقارنة سنوية. وبلغت قيمتها 12.29 مليار دولار مقابل 10.17 مليار دولار بمقارنة سنوية.
وجاءت صادرات قطاع المنتوجات الزراعية والغذائية في المركز الأول بارتفاع قدره 67.6 في المئة ثم قطاع الصناعات المعملية وأخيرا الملابس والجلود. وفي المقابل، بقيت صادرات قطاع الفوسفات ومشتقاته في تراجع بنسبة 4.8 بالمئة.
وعانت البلاد في السنوات الأخيرة تباطؤا في النمو وانكماشا في بعض الفترات، بسبب التوترات الأمنية التي شهدتها وأثرها على الاستثمارات الأجنبية وأسعار الصرف.
وقال رئيس الحكومة يوسف الشاهد في تصريحات سابقة “إن العام الجاري سيكون آخر عام صعب اقتصاديا على تونس”.