خصمان لا يلتقيان

كان آل سعيد شقيا بحفلته السعيدة، لقد أسعدت رسومه الكثيرين في العالم العربي، وهي لعبة كان يمارسها من غير أن يفكر باستثمارها، كان زاهدا إلى درجة أنه لم يكن معنيا بأسعار لوحاته.
الاثنين 2018/08/06
المال والفن خصمان لا يلتقيان

عام 1996 رافقت الرسام العراقي شاكر حسن آل سعيد في زيارته إلى بيروت، كانت المناسبة معرضه الشخصي في قاعة “50×50” التي أغلقت أبوابها منذ سنوات.

يومها طلبت مديرة القاعة من الرسام أن يزيد أسعار لوحاته، فتلك اللوحات من وجهة نظرها أشبه باللقى الجمالية النادرة وكانت محقة، طلب قابله الرسام بالرفض.

قال لي يومها “إنني أخاف الله، هذه أسعاري في بغداد ولن أزيدها من أجل بيروت”، كانت هناك لوحات، سر الواحدة منها ستمئة دولار بيعت بعد سنوات بستين ألف دولار.

لم يكن الرجل الذي غيّر تاريخ الرسم الحديث في العراق يفكر بالمال الذي يمكن أن يجلبه إليه الرسم، كان مقتنعا بأن دخله الذي يأتيه من خلال وظيفته معلما للرسم يغطي احتياجاته المعيشية، أما الرسم فقد كان قضية حياته، سؤاله الوجودي الذي يسعى إلى المضي إلى حافاته.

كان آل سعيد شقيا بحفلته السعيدة، لقد أسعدت رسومه الكثيرين في العالم العربي، وهي لعبة كان يمارسها من غير أن يفكر باستثمارها، كان زاهدا ومتقشفا إلى درجة أنه لم يكن معنيا بأسعار لوحاته.

في حياته نجا صاحب “الحرية في الفن” من لعنة السوق التي أصابت الآخرين بجنونها، الأمر الذي جعله يتفرغ لبحوثه الجمالية التي لا تزال تجد لها صدى واسعا لدى الكثير من المهتمين بالرسم الخالص.

أتذكره اليوم وأنا أرى رسامين عرب وهم يلهثون ركضا وراء أصحاب القاعات وخبراء المزادات والمقتنيين الذين انطلت عليهم كذبة الاستثمار في سوق الفن، مؤلم حقا أن يضع رسام حديث نصب عينيه المال قبل الفن، وهو ما يعني بالضرورة أن يقع الفن في خدمة غايات، تخضعه لمتطلباتها التي ليس من بينها الارتقاء بالذائقة الجمالية من خلال إنتاج أعمال فنية عصية على الخضوع لشروط السوق.

لقد أثرى البعض من الرسامين ماديا على حساب فنهم الذي صار مهادنا وطيعا وفقيرا وحييا بعد أن تخلص من تمرده..المال والفن خصمان لا يلتقيان.

16