النيجر بوابة واشنطن لاقتحام مراكز نفوذ فرنسا في أفريقيا

دكار – قال الجيش الأميركي الاثنين، إن قواته بدأت نشر طائرات بدون طيار مسلحة في النيجر، في وقت سابق هذا العام، لمهاجمة متشددين إسلاميين، فيما يخفي الاندفاع العسكري الأميركي نحو النيجر ومنطقة الساحل الأفريقي عموما صراع نفوذ مع فرنسا التي تدير قاعدة عسكرية في نيامي، عاصمة النيجر، لتعقب المتشددين.
ومنحت حكومة النيجر إذنا للقوات الأميركية في نوفمبر الماضي بتسليح طائراتها المسيرة بدون طيار لكن أيا من الجانبين لم يؤكد نشرها، حيث كانت الطائرات الأميركية قبل ذلك تستخدم فقط في المراقبة.
وتوسع نطاق الوجود العسكري الأميركي في النيجر خلال السنوات الأخيرة ليصل عدد أفرادها هناك إلى 800 يصاحبون القوات النيجرية في عملية جمع المعلومات وغيرها من المهام، الأمر الذي يعكس مخاوف الولايات المتحدة من تصاعد مد التشدد في منطقة الساحل بغرب أفريقيا.
وقال متحدث باسم القيادة الأميركية في أفريقيا في بيان بالبريد الإلكتروني “بالتنسيق مع حكومة النيجر نشرت القيادة الأميركية في أفريقيا معدات استخبارات ومراقبة وطائرات استطلاع بالفعل في النيجر”.
وأسفر كمين نصبه أفراد تابعون لتنظيم الدولة الإسلامية في غرب النيجر عن مقتل أربعة جنود أميركيين في أكتوبر الماضي، كما استهدفت جماعات جهادية متمركزة في مالي المجاورة أهدافا عسكرية ومدنية حتى ساحل العاج.
ويرى محللون أن الاندفاع العسكري الأميركي نحو النيجر يخفي صراعا حول النفوذ في المنطقة، مع فرنسا التي تدير قوات برخان المشكلة من خمسة آلاف جندي، من أجل بسط الاستقرار في المنطقة المضطربة التي تعاني من تنامي المتشددين الإسلاميين.
و أعلنت فرنسا عن إطلاقها عملية برخان فاتح أغسطس 2014، حيث تغطي القوة 5 دول بمنطقة الساحل، وهي مالي وموريتانيا والنيجر وبوركينافاسو والتشاد.
وقال قائد أركان الجيش الفرنسي الجنرال فرانسوا لوكوانتر، إن عملية برخان الفرنسية لمكافحة الجهاديين في منطقة الساحل “عملية طويلة الأمد”.
وأضاف لوكوانتر في مقابلة مع إذاعة أوروبا 1 “أعتقد أن العملية في منطقة الساحل هي عملية طويلة الأمد نشارك فيها اليوم لدعم تنامي قوة الدول الشريكة في المنطقة”، في إشارة إلى الدعم الفرنسي للقوة العسكرية في منطقة الساحل.
وتابع أن “الفكرة تكمن في أنهم يتحملون المسؤولية عن هذا الأمن وإننا ندعمهم في القتال ضد هذا العدو المشترك، لا أرى أنه يمكننا أن نغادر الآن بكل الأحوال”.
وفُهمت تصريحات قائد أركان الجيش الفرنسي على أنها إشارة غير مباشرة لبقاء القوات الفرنسية لمدة أطول في منطقة الساحل الاستراتيجية والغنية بالثروات، ما يعكس الصراع على بسط النفوذ في المنطقة تحت شعار محاربة الإسلاميين المتشددين.
ويملك الفرنسيون قاعدة عسكرية كبيرة في العاصمة النيجرية نيامي، يتخذونها مركزاً لعملية برخان العسكرية لمحاربة الإرهاب في الساحل الأفريقي، حيث تشن انطلاقا من نيامي هجمات ضد الجماعات الإرهابية في شمال مالي.
ورغم تشتيت الجماعات المرتبطة بالقاعدة وطردها إلى حد كبير من شمال مالي منذ العام 2013، إلا أن مناطق بأكملها من البلاد لا تزال خارج نطاق سيطرة القوات المالية والفرنسية، التي تستهدفها بشكل منتظم هجمات رغم التوقيع في يونيو 2015 على اتفاق سلام من شأنه عزل الجهاديين. ويؤكد مراقبون أن الدول العظمى تعمل على إيجاد موطئ قدم لها في منطقة الساحل، الغنية بالثروات الطبيعية (النفط واليورانيوم)، فيما تشير تقارير إعلامية أن الولايات المتحدة تخطط لجلب 20 بالمئة من حاجياتها من النفط من منطقة الساحل، وهذا يتطلب منفذا إلى المنطقة، التي تشهد غزوا غير مسبوق للنفوذ الصيني.
ولا يمكن فصل الصراع الأميركي الفرنسي حول من يتحكم أكثر في المنطقة، فرغم الرغبة الأميركية في اختراق دول المنطقة، فإن حربا غير معلنة تدور رحاها على الساحة الإقليمية بين فرنسا كقوة استعمارية والولايات المتحدة كقوة دولية تسعى لبسط هيمنتها على العالم.
و رغم تنامي الوجود العسكري الأميركي في النيجر، فإن السفارة الأميركية في النيجر تصر على أن التعاون العسكري بين البلدين يقتصر على التكوين والتدريب، ثم الدعم، ضمن برامج أميركية معروفة على غرار برنامج “أكوتا”، وهو برنامج التدريب والمساعدة ضمن العمليات الطارئة في أفريقيا، بالإضافة إلى تدريب فلينتلوك الشهير، الذي نظم عدة مرات في النيجر خلال السنوات الأخيرة.
وإضافة إلى الصراع الأميركي الفرنسي في أفريقيا، تواصل الصين توسيع دائرة نفوذها، وتعزيز وجودها في جميع أنحاء أفريقيا، على أمل التفوُّق على الولايات المتحدة، وهو تحرُّك يخشاه المسؤولون الأميركيون، ويصفونه بأنه جزءٌ من جهد كبير من بكين لإعادة تشكيل النظام العالمي.
وتزايد الدور الذي تلعبه الصين في مختلف المجالات في القارة الأفريقية؛ حيث أعطت بكين الأهمية لعلاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع الدول الأفريقية، فتوسَّع نفوذها وركزت طموحها الكبير في القارة على الساحة الاقتصادية، ووضعت نصب عينها الموارد الطبيعية الغنية في أفريقيا التي تستفيد منها لتغذية نموِّها الاقتصادي المحلي.
ويمثل نهج الصين تجاه أفريقيا تحديا رئيسا للمصالح الأميركية، التي دائمًا ما يلخصها المسؤولون الأميركيون في تعزيز الديمقراطية والتنمية المستدامة في أفريقيا، وذلك لأنَّ التمويل الصيني يتدفق إلى أفريقيا دون قيود؛ الأمر الذي جعل بكين بديلا سهلا عن المساعدة الإنمائية المشروطة، مما يقلِّل من جهد الغرب للتحكم في الدول الأفريقية ومؤسساتها.
وحذّرت الاستخبارات الأميركية في سبتمبر 2017 من أن أول قاعدة عسكرية خارجية للصين، في دوراليه بدولة جيبوتي في شرق أفريقيا، قد تكون الأولى التي ستتبعها العديد من نوعها.