حزب الاستقلال المغربي مستعد للاعتذار عن أحداث الريف بعد 60 عاما

الحزب يسعى من خلال التحقيق في أحداث العنف التي وقعت بين عامي 1958 و1959 إلى تسليط الضوء على علاقته بما جرى وإزاحة الكثير من الغموض بهذه الأحداث.
الأحد 2018/07/29
الأحزاب المغربية عاجزة عن نزع فتيل الاحتقان الشعبي

وجدة ( المغرب) - فتح حزب الاستقلال المغربي (معارض)، من جديد ملف الأحداث الدموية التي شهدتها منطقة الريف، شمالي البلاد، قبل ستين عاما.

وشكلت الزيارة التي قادت الأمين العام للحزب نزار بركة في يونيو الماضي إلى مدينة الحسيمة خطوة أعقبها الكثير من النقاش العام.

وجاء النقاش عقب إعلان بركة عن استعداد حزبه للمكاشفة والنقد الذاتي والاعتذار لسكان المنطقة، إذا ثبت أن أعضاء من الحزب “تورطوا في الأحداث المؤلمة” التي عرفتها المنطقة وسقط خلالها قتلى وجرحى.

وشهدت منطقة الريف بين سنتي 1958 و1959 أحداث عنف دامية تضاربت الروايات والأرقام حول عدد ضحاياها. وتضاربت التقديرات بخصوص عدد ضحايا أحداث الريف خلال سنتي 1985 و1986، إذ يشير بعض الباحثين إلى أنها تقدر بالمئات.

وفي إحدى رسائل عبدالكريم الخطابي، زعيم المقاومة المغربية ضد المستعمر الفرنسي، قال فيها إن “الأحداث عرفت توقيف 8420 منهم 110 امرأة، 5431 منهم تم إطلاق سراحهم في ما بعد (من بينهم 92 امرأة)، و2664 لم يطلق سراحهم أو صدرت بحقهم أحكام، في الوقت الذي فر 542 إلى كل من إسبانيا وإيطاليا وألمانيا والجزائر”.

وانطلقت الأحداث عقب احتجاجات شعبية قادها عدد من أبناء المنطقة ضد السلطات المركزية في الرباط. وحمّل البعض المسؤولية عن أعمال العنف التي تعرض لها سكان المنطقة لحزب الاستقلال الذي كان يدبر شؤون البلاد آنذاك.

وظلت المصالحة الحزبية بين المنطقة وحزب الاستقلال معلّقة بسبب الشكوك في تورط الحزب في هذه الأحداث، فالعديد من المؤلفات والشهادات التي سجلها أبناء المنطقة ممن عاشوا أحداث الخمسينات تشير إلى حزب الاستقلال باعتباره المسؤول الأول، وهو ما جعله دائما في موقف حرج.

لكن يحاول حزب الاستقلال طي صفحة الماضي وتحقيق مصالحة مع سكان المنطقة، حيث لم يتوقف الحزب عند حدود تصريحات أمينه العام، بل باشر على أرض الواقع بالتنقيب في صفحات تلك الأحداث بواسطة لجنة شكلها وأسند مهمة رئاستها لشيبة ماء العينين الذي يشغل رئيس المجلس الوطني للحزب (برلمان الحزب).

وقال نورالدين مضيان، رئيس الكتلة النيابية لحزب الاستقلال بمجلس النواب (البرلمان) لوكالة أنباء الأناضول، إن اللجنة التقت بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان (حكومي).

وأضاف أن اللجنة تعمل أيضا على جمع مجموعة من الشهادات الحية لشخصيات عاصرت تلك الفترة من الزمن، على رأسها محمد بن سعيد أيت يدر (زعيم سياسي مغربي)، أحد المقاومين المغاربة المعروفين والرجل الذي خبر المرحلة المذكورة وخبر العمل السياسي لعقود.

وأوضح مضيان أن “اللجنة ستعتمد على الوثائق المتاحة التي يمكن أن تصل إليها، لإجلاء الحقيقة في هذا الملف الذي عمّر طويلا”.

إعلان حزب الاستقلال عن فتح تحقيق في أحداث الريف خطوة جريئة لكن لن تكتمل إلا من خلال استجلاء عناصر الحقيقة وتحديد المسؤوليات بشكل دقيق

وأشار الحزب إلى أنه يسعى من خلال هذه اللجنة إلى “تسليط الضوء على علاقة الحزب بما جرى، وإزاحة الكثير من الغموض والمغالطات المحيطة بهذا الموضوع ومحاولة استجلاء الحقيقة من أجل طي هذه الصفحة التي لن تتكرر، والسير نحو مصالحة حقيقية.”

وخلال النقاش، الذي أعقب الخطوة التي أعلن عنها الحزب، تناسلت العديد من الأسئلة وسط المتابعين للشأن السياسي في المغرب. وفي مقدمة الأسئلة هل خطوة الحزب غرضها فعلا كشف الحقيقة ومن ثم خلق مصالحة حقيقية بين السكان والحزب، أم هي محاولة للاستفادة من الاحتقان الذي تعرفه المنطقة منذ سنتين؟

وأصدرت محكمة الاستئناف بمدينة الدار البيضاء في 26 يونيو الماضي أحكاما بسجن عدد من قادة ونشطاء الاحتجاجات بالريف، تراوحت بين عام واحد و20 عاما. وشهدت مدينة الحسيمة منذ أكتوبر 2016 على مدى 10 أشهر  على غرار عدد من مدن وقرى منطقة الريف (شمال)  احتجاجات للمطالبة بـ”تنمية المنطقة وإنهاء تهميشها.”

وقال عثمان زياني، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، بجامعة محمد الأول شمال شرقي البلاد، إن “إعلان الحزب عن فتح تحقيق في الأحداث يعتبر جرأة سياسية في حد ذاتها”.

وأضاف الباحث المغربي أن “هذه الخطوة لن تكتمل، إلا من خلال استجلاء عناصر الحقيقة، وتحديد المسؤوليات بشكل دقيق، خصوصا بين السلطات والحزب.”

وأكد أهمية التعويض المادي والمعنوي وإحداث مصالحة حقيقية مع الريف يتم ربطها حتما بما يعيشه حاليا من أحداث واعتقالات بفعل الاحتجاجات الأخيرة.

واعتبر أن الاحتجاجات الأخيرة تعيد إلى الأذهان أحداث 1958 و1959 وتوقظ الجرح من جديد، محذرا من الانزياح عن أهداف ما تم الإعلان عنه. وتابع “إذا تحول الأمر إلى مجرد مناورة سياسية، عند ذاك سنعود إلى أدراج التخبّط وتزييف الحقائق”.

وفي الوقت الذي اعتبر فيه زياني أن الكشف عن الحقيقة في هذا الملف “غير ممكن”، لأنها تدين أطرافا أخرى (لم يحددها)، اعتبر القيادي بحزب الاستقلال نورالدين مضيان، أن الحزب يود كشف كل الأسرار المحيطة بهذا الملف.

وفي رده على أسئلة الصحافيين حول إدانة قادة حراك الريف بأحكام بالحبس وصفت بـ”القاسية”، شدد مصطفى الخلفي، الناطق باسم الحكومة على أن “السلطة القضائية مستقلة ولا يمكن التدخل في أحكام القضاء الذي له معرفة بحيثيات الملف”.

وفي أكتوبر الماضي أعفى العاهل المغربي الملك محمد السادس 4 وزراء من مناصبهم بسبب تقصير في تنفيذ برنامج إنمائي وإخفاقهم في تحسين الوضع الاقتصادي بمنطقة الريف.

ولحزب الاستقلال 46 مقعدا في البرلمان المغربي من إجمالي 395، تجعله ثالث أكبر قوة في البرلمان.

2